عربيعربي
حق العودة للنازحين داخلياً في قطاع غزة

حق العودة للنازحين داخلياً في قطاع غزة

المقدمة

بتاريخ 15 يناير 2025 تم الاتفاق على وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، أحد أهم بنود الاتفاق كان السماح بعودة النازحين داخلياً من مناطق جنوب قطاع غزة إلى شماله بعد نزوحهم من شمال قطاع غزة قسراً تحت التهديد الإسرائيلي بشن هجمات على مناطق سكناهم، حيث بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي بشن هجماته العسكرية على قطاع غزة منذ تاريخ 7 أكتوبر 2023، لاحقاً وفي مرحلة أخرى استعمل الجيش الإسرائيلي سياسية التجويع في سبيل اخلاء سكان شمال القطاع إلى جانب مما أدى إلى تزايد حالة النزوح من شمال قطاع غزة إلى الجنوب. إخلاء السكان كان يتم عن طريق إصدار أوامر اخلاء صادرة عن جيش الاحتلال الاسرائيلي لسكان مناطق شمال قطاع غزة، يصدرها إما عبر المتحدث الرسمي باسمه، أو من خلال القاء المنشورات الورقية على الأحياء المدنية، او عن طريق الاتصال على السكان في المناطق المرغوب اخلائها، ثم يقوم بتكثيف الهجمات على هذه المناطق لإجبار سكانها بالنزوح قسراً نحو الجنوب.

بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار تم السماح للنازحين بالعودة الى شمال قطاع غزة بتاريخ 27 يناير 2025عن طريق شارعي الرشيد الساحلي وصلاح الدين، وقد جرت عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة مشياً على الأقدام عبر شارع الرشيد، ومن خلال المركبات عبر شارع صلاح الدين، فيما لم يتم السماح لجميع النازحين بالعودة الى منازلهم لوجود نصوص في الاتفاق تعتبر مناطق واسعة تحت سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي، من ضمن هذه المناطق مناطق التماس مع حدود دولة الاحتلال الإسرائيلي والمتمثلة بالمناطق الشرقية لشارع صلاح الدين بالإضافة للمناطق التي تعتبر مناطق التماس مع الجيش مثل قرية المغراقة وجحر الديك الواقعتان ضمن محور نيتساريم، بالإضافة لغالبية مدينة رفح والواقعة ضمن محور فيلاديفيا الخاضع تحت سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي.

استمر اتفاق وقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية لمدة ستة أسابيع انتهت بحلول شهر مارس2025، وما ان انتهت مدة وقف إطلاق النار المتفق عليها خلال المرحلة الأولى من الاتفاق اخترق الاحتلال الإسرائيلي الاتفاق مع فجر يوم الثلاثاء18 مارس 2025، حيث شن جيش الاحتلال الاسرائيلي هجوماً واسعاً على جميع أنحاء قطاع غزة معلناً استئناف العمليات العسكرية داخل القطاع، أدى هذا الاستمرار الى اصدار أوامر اخلاء جديدة في مناطق عديدة في قطاع غزة بدءً من محافظة رفح مروراً بمناطق شمال غزة بالإضافة الى أوامر اخلاء شملت مساحات واسعة من مدينة خانيونس، أدى ما سبق الى حدوث موجات نزوح متكررة لكثير من المناطق ونزوح جديد لمناطق أخرى أُجبر سكانها مراراً وتكرار على الفرار من منازلهم تحت وطأة الإكراه، وفقدوا منازلهم وأصبحوا مشردين في مراكز الايواء.

  • يستمر الاحتلال الإسرائيلي بسلب الفلسطينيين حقهم في العودة ضارباً بعرض الحائط جميع القوانين والاتفاقيات الدولية المقرة والحامية لحق عود الفلسطيني منذ 1948 مرروا بنكسة 1967 وصولاً الى حرب 2023، والتي أدت إلى نزوح جديد داخلي في قطاع غزة يستوجب التمسك بحق العودة الفلسطيني، ومن خلال هذا التقرير سنبين الحق في العودة للنازحين الداخليين في قطاع غزة ما بين نكبة تاريخية ونزوح معاصر بالإضافة الى بيان المعيقات التي حالت 
    دون عودة النازحين بعد اتفاق وقف إطلاق النار سالف الذكر.
    • النزوح الداخلي بعد السابع من أكتوبر2023م يشكل امتداداً تاريخياً للنكبة وجزء لا يتجزأ منها، ويعزز التمسك بحق العودة.

لم تنتهي معاناة الشعب الفلسطيني منذ نكبة عام 1948م حتى يومنا الراهن، فمنذ بدء حرب الإبادة الجماعية في السابع من أكتوبر2023م يشهد الفلسطينيين في قطاع غزة عمليات نزوح مكثفة من أماكن سكنهم إلى المجهول، على نحو استخدمت دولة الاحتلال فيه سياسية النزوح كسلاح أول في مواجهة هذا المدنيين، وذلك عن طريق قيامه بإصدار أوامر إخلاء يُجبر المدنيين على أثرها ترك منازلهم والذهاب إلى الأماكن التي يصفها بأنها آمنة، وهي مناطق تفتقر لأدنى مقومات البنية التحتية، وهي عبارة عن مخيمات ومراكز إيواء اما عشوائية أو تابعة للأونروا اتخذها الغزيين كملجأ لهم ظناً بأمانها ولكن قام الاحتلال ايضاً بقصفها وتدميرها.

يستمر الاحتلال الإسرائيلي ومنذ سنة 1948 على ذات السياسية وهدفه الأول التهجير، فهو لم يكتفِ بتهجير الفلسطينيين عام 1948، بل استمر على ذات السياسة القهرية طيلة السنوات التي تلت النكبة، وصولاً للعام 2023 الذي شهد حلقة جديدة في مسلسل التهجير والتي بدأت بالنزوح الداخلي المتتابع والمتكرر وذلك بإجبار المدنيين بكافة طرق الإكراه بالنزوح من أماكن سكناهم المرة تلو الأخرى، وما كان النزوح الذى بدأ بعد شن حرب الإبادة الجماعية إلا استمراراً لنكبة قديمة وتاريخية  تشكلت في صورة نزوح معاصر يتبعها، وفي هذا السياق يوضح د. أحمد حمد المختص في القانون الدولي ويقول " نعم اتفق بأن النزوح جزء لا يتجزأ من نكبة، وأن النكبة مستمرة طالما لم ينتهى الاحتلال وحرب الإبادة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي منذ أكتوبر2023 تعتبر نكبة وتستمر وجوداً وعدماً مع وجود الاحتلال، وتنتهي النكبة بزواله من جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة وفقا لقرارات الشرعية الدولية"([1])

إلا أن تمسك الفلسطيني بحقه الذي كفلته التشريعات الدولية وهو الحق في الاستقرار ويشير الى حق الفرد في البقاء في مكان يختاره هو، والذي كان ولا زال من الثوابت الفلسطينية التي لا يجوز التنازل عنها ولا تخضع للتقادم على مر السنيين، وهذا ما أكدت عليه جميلة أبو سيدو سيدة فلسطينية تبلغ من العمر 60 عاماً نازحة من قرية المغراقة الواقعة ضمن منطقة محور نيتساريم الذي يقع تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، حيث قالت "بأنها نزحت من بيتها الكائن في قرية المغراقة منذ تاريخ 10 أكتوبر 2023 حتى تاريخه، وتتحدث عن المناطق التي تم النزوح اليها بعد أوامر الاخلاء التي أصدرها الاحتلال الإسرائيلي بهدف قيامه بالسيطرة العسكرية على المنطقة، تنقلت أنا وعائلتي الى عدة أماكن في قطاع غزة وانتهى بي المطاف في مخيم النصيرات، تضيف بأنها بقيت في النصيرات لأنها أقرب نقطة لمكان سكنها بحيث لو تم وقف اطلاق النار وانسحاب الجيش الاسرائيلي من منطقة سكنها سوف تعود اليه فوراً، أنا أمنيتي الوحيدة أرجع على أرضي وأرجع أبني بيتي مرة أخرى بعد ما دمروه بالكامل، هذا ما ختمت السيدة جميلة كلامها".

إلا أن جميع المدنيين الذين أجبروا على النزوح قسراَ من أراضيهم وبيوتهم _ ولو كانت منازلهم قد تم تدميرها وهدمها بالكامل وأراضيهم قد تم تجريفها ومسحها بالكامل_ إلا أنهم متمسكين بحقهم في العودة وان طالت فترة نزوحهم، وليس أدل على ذلك  إلا المشهد المهيب الذي شاهدناه صباح يوم الاثنين 27 يناير 2025 بتدفق النازحين عندما تم السماح لهم بالعودة من مناطق جنوب قطاع غزة إلى شماله، بعد أن كانت العودة ممنوعة بفعل جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومنعهم من العودة الى شمال قطاع غزة بعد نزوحهم قسراً منه بعد حوالي 15 شهراً ، حيث عاد الى شمال القطاع ما يقارب ما يقارب 500 ألف نازح من جنوب قطاع غزة إلى شماله في اليوم الأول[2] بعد اتفاق وقف اطلاق نار الذي بدأ سيرانه بتاريخ 19 يناير 2025م، هذا ما يؤكد تمسك الغزيين بحقهم في العودة الى منازلهم وديارهم.

الحق في العودة حق مصان يرتكز على شرعية دولية وإنسانية ويفتقر لتنفيذ حقيقي

أكد القانون الدولي الانساني والاتفاقيات والقرارات الدولية على الحق في العودة كحق ثابت لا يجوز التصرف فيه، هذا ما أضفى للحق في العودة طابع الشرعية الدولية الإنسانية ، ومن أهم القرارات التي أضفت الشرعية للحق في العودة القرار رقم 194 الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي ينص على" وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقاً لمبادئ القانون الدولي والعدالة، بحيث يعوّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة".، وعليه  فقد صنفت الأمم المتحدة حق العودة كحق إنساني من فئة الحقوق غير القابلة للتصرف والحق الإنساني غير القابل للتصرف، هو الحق الملازم للكرامة الإنسانية، وهو ليس بحاجة لاعتراف الآخر به، وليس بإمكان أحد أن يتصرف به إلغاءً او إنكاراً أو تجييراً أو تبديلاً، لذلك فإن مثل هذا الحق لا يخضع للمساومة أو المقايضة، ولا يتساوى في رتبته القانونية مع أي حق تعاقدي آخر كالتعويض مثلاًوفي هذا الجانب أوضح د. أحمد حمد: " بأن حق العودة حق مقدس ثابت لا يسقط بالتقادم اطلاقا ويجب تعويض جميع الفلسطينيين الذين فقدوا أراضيهم من 1948 حتى يومنا هذا"، بالإضافة لذلك فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الانسان على وأكد أيضاً على ذلك الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 وقد نصت المادة (13/2) على :" لكل شخص الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده والعودة اليه."، بينما نجد اللجنة الفرعية التابعة للام المتحدة الخاصة بتعزيز وحماية مبادئ حقوق الانسان بشأن رد المساكن والممتلكات وعودة اللاجئين والمهجرين داخلياً ، فقد نصت المادة ( 10/1) من ذات اللجنة على :" لجميع اللاجئين والاشخاص المشردين الحق في العودة طوعاً إلى منازلهم السابقة وأراضيهم واماكن سكناهم الاعتيادية بأمن وكرامة."، وأكدت المادة (10/3) على:" يجب تمكين اللاجئين والاشخاص المشردين من متابعة حلول دائمة لتهجيرهم دون عودتهم ، اذا ارادوا ذلك، دون المساس بحقهم في رد مساكنهم واراضيهم وممتلكاتهم اليهم ." 

وبتطبيق هذه النصوص على النازحين داخلياَ في قطاع غزة، وبالرغم من اعتراف الشرعية الدولية ممثلة بالقوانين والاتفاقيات بحقهم في العودة، إلا أنه يفتقر لتطبيق فعلي وحقيقي، ويرجع سبب ذلك بأن الاحتلال الإسرائيلي يحظر على النازحين العودة الى ديارهم ومنازلهم، بل ويستمر بإصدار أوامر اخلاء اجبارية، وتشمل الأماكن والمناطق التي عادوا اليها الغزيين بعد السماح بعودتهم بتاريخ27 يناير 2025، جيش الاحتلال الإسرائيلي أصدر 31 أمر اخلاء بالنزوح منذ استئناف العملية العسكرية بتاريخ 18 مارس، "وتقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 632,700 شخص قد نزحوا مرة أخرى منذ انهيار وقف إطلاق النار، بما في ذلك أكثر من 195 ألف شخص بين 15-27 أيار"[3]وفي هذا السياق  يتحدث دكتور أحمد حمد" بأن عودة يناير 2023 هي عودة مؤقتة بل وبالأحرى لا تعتبر عودة لأن من شروط العودة أن تكون عودة دائمة وآمنة ، وما هي الا عودة غير أمنة بسبب استمرار الهجمات العسكرية على المناطق بالإضافة الى استمرار اصدار أوامر الاخلاء لسكان المناطق العائدين اليها"، الى جانب ذلك فان القانون الدولي وفيما يتعلق بمسألة النازحين داخلياً فقد أشار اليهم (بالمشردين داخليا) حيث تنظم  المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي حماية لهؤلاء الأشخاص بصفتهم مدنيين وفقا القانون الإنساني العرفي الى جانب القانون الدولي الإنساني"([4]).

انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي خلال العودة المؤقتة للنازحين الداخليين في قطاع غزة

احدى أخطر الانتهاكات التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي والتي تؤكد الافتقار الحقيقي للتطبيق الفعلي على أرض الواقع للحق في عودة آمنة ومستقرة كما نصت الاتفاقيات والقرارات الدولية، قيام الاحتلال الإسرائيلي باستهداف المدنيين بعدما تم السماح بعودتهم بعد اتفاق سريان وقف اطلاق النار، حيث عاد سكان المناطق الى ديارهم بعد السماح لهم بالعودة، الا أن الاحتلال لم يلتزم بوقف اطلاق النار بل وقام باستهداف مجموعات للمدنيين العائدين في مناطق محافظة رفح وقيامه بتوغل للآليات العسكرية، وفي ذلك اختراق واضح للبنود المتفق عليها، بالإضافة الى قيامه باستهداف العائدين عبر شارع الرشيد الساحلي أثناء عودتهم، ضارباً أهم شروط الحق في العودة بعرض الحائط، الى جانب ذلك فقد اطلق النيران على المدنيين الذين عادوا الى مناطق شرق القطاع وشماله، ويؤكد على هذه الانتهاكات اسماعيل ثوابتة مدير عام مكتب الاعلام الحكومي" ووثقت التقارير أيضا توغلات إسرائيلية في مناطق حدودية بغزة، وخاصة في الشرق، حيث أكدت فرق الطوارئ في رفح أن المركبات العسكرية الإسرائيلية دخلت المنطقة مرارا وتكرارا ،تشمل الانتهاكات الأخرى الهجمات المباشرة على المدنيين، وتدمير المباني السكنية والمستشفيات والمدارس وغيرها من البنى التحتية الأساسية. وفي انتهاك صارخ لحقوق الإنسان الأساسية، منعت القوات الإسرائيلية أيضًا النازحين الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم في شمال غزة، وحرمتهم من حقهم في العودة الآمنة"، ويشير لذلك أيضاَ تقرير أعدته الأوتشا للوضع الإنساني بغزة حيث يرصد حالات انتهاك الاحتلال للحق في العودة الآمنة" أطلقت فيها القوات الإسرائيلية النار على الفلسطينيين، بما في ذلك في المناطق الواقعة داخل أو بالقرب من المناطق العازلة المحددة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وكذلك بسبب انفجار ذخائر غير منفجرة على سبيل المثال، في 27 يناير، وردت أنباء عن مقتل فتاة وإصابة آخرين عندما أصيبت عربة على طريق الرشيد، شمال غرب النصيرات أثناء عودتها باتجاه الشمال، وفي اليوم نفسه وردت أنباء عن مقتل رجل وإصابة آخرين عندما أصيبت جرافة في منطقة النويري، شمال غرب النصيرات، وفي وقت سابق، في 22 يناير، وردت أنباء عن مقتل فلسطيني واحد وإصابة اثنين آخرين بسبب مخلفات الحرب المتفجرة في منطقة التوام، غرب جباليا، شمال غزة"، وحتى 18 مارس توالت هذه الانتهاكات بحق العائدين الى شمال القطاع والمناطق الشرقية.

• أسباب تمسك النازحين داخلياً في قطاع غزة بحق العودة 

يتمسك النازحين داخلياً في قطاع غزة بحقهم بالعودة بشكل كبير ويقيني، نرى ذلك في جميع الأشخاص الذين نزحوا من جميع مناطق قطاع غزة، أطفال وشيوخ ونساء ورجال جميع من نزح من منزله ودياره يريد العودة اليه بالرغم من الظروف الراهنة، ومع استحالة العودة لأماكنهم في الوقت الحالي، ويرجع ذلك لعدة أسباب واقعية وقانونية نذكر منها:

أولاً: ارتباطهم الوثيق بأماكن سكناهم 

الأشخاص الذين نزحوا يعتبروا أماكن النزوح ماوي مؤقتة لفترة زمنية على أمل بألا تطول مدة نزوحهم أكثر، ويرجع ذلك إلى مدى ارتباطهم الوثيق بأرضهم وأماكن سكناهم، نذكر بالتحديد النازحين الذين نزحوا من بداية حرب الإبادة حتى وقتنا هذا، ومثالهم سكان محور نيتساريم ومحور فيلاديفيا كما ذكرنا، بالإضافة لسكان المناطق الحدودية وسكان محافظة رفح، حيث أن مغادرتهم قسرًا من أماكنهم يعد اعتداء صارخ على حرية حقهم في اختيار مكان الإقامة داخل بلدهم ، الحق الذي نصت عليه الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وخاصة المادة (13) من الإعلان العالمي لحقوق الانسان([1])، بالإضافة للمادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يضمن لكل فرد حرية اختيار مكان إقامته داخل بلده، وفي مقابلة أجريناها محمد السيد حيدر الزهار 72 عام وهو سكان قرية المغراقة يقول: "أنا أسكن بمنطقة المغراقة منذ ولادتي، كبرت فيها وزرعتها وعلمت ولادي على حبها، لم أتقبل فكرة العيش في منطقة أخرى غيرها، حنرجعلها بأقرب وقت، ويضيف" هدموا بيتي وتم تجريف أرضي بسبب سيطرة الاحتلال عليها واستخدامها كثكنة عسكرية، أنا بقيت ازرع في ارضي ما يقارب 50 سنة أنا وأرضي لا يمكن ابعادنا عن بعض، وحنعود الها بمجرد خروج الاحتلال منها".

 

ثانياً: الدفاع عن حقوقهم وضمان تعويضهم

من أهم أسباب تمسك النازحين داخلياً بحقهم في العودة هو الدفاع عن حقوقهم وممتلكاتهم وضمان تعويضهم، حيث ترتبط فكرة التعويض ارتباط كبير بحق العودة وجزء لا يتجزأ منه ، بمعنى ألا يحل التعويض محل العودة ، بل هناك عودة بالإضافة بالتمسك بالتعويض هذا ما أكده قرار الجمعية العامة رقم194، حيث ربط الحق في العودة بالحق في التعويض([2])، إلى جانب ذلك يؤكد دكتور أحمد حمد "بأن حق النازحين في التعويض كما العودة ، وأنهم حقين متوازيين لا يجوز التخلي عنهما، بل ويؤكد على الدفاع عن الحق في التعويض عن الأرواح والممتلكات أمام المحاكم الجنائية الدولية"

ثالثاً: رفضهم لخطة التهجير

يرفض النازحين الداخلين في قطاع غزة خطة التهجير الطوعي الذي يتغنى بها الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء العدوان على القطاع بل ويريدها بشدة منذ 1948 وما يمنعه هو رفض المجتمع الدولي خطة التهجير الذي يريدها هذا ما يؤكد عليه فولكر تورك مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان حيث "أعرب عن انزعاجه البالغ بشأن تصريحات مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى حول خطط نقل مدنيين من غزة إلى دول أخرى ويضيف بأن 85% من سكان غزة قد نزحوا داخليا بالفعل، وإن لهم الحق في العودة إلى ديارهم وأضاف أن القانون الدولي يحظر النقل القسري للأشخاص المتمتعين بالحماية، سواء كان ذلك إلى أماكن أخرى داخل الأرض المحتلة أو ترحيلهم منها."([3])، وعليه هذا ما يزيد تمسك النازحين في قطاع غزة بحقهم في العودة، بالإضافة بأنهم يعتبرون من التمسك بالعودة موقفًا مقاومًا لمحاولة فرض تهجير دائم قد يحدث ، في تكرار لما حدث في نكبة 1948، وذلك انتهاك واضح للمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن التشريد الداخلي وذلك حسب المبدأ 28  الذي يقر بأن التهجير يجب أن يكون مؤقتًا، ويجب ضمان حق العودة الطوعية، الآمنة والكريمة للنازحين([4]).

رابعاً: الظروف المعيشية القاسية التي يعيشها النازحين في مناطق الايواء

يعيش النازحين في قطاع غزة ظروف قاسية جداً وخصوصاً في مراكز الإيواء، والتي جعلت من حق العودة سبباً قوياً للتأكيد عليه وإصرار النازحين بالتمسك فيه، مدارس تعليمية تحولت إلى مراكز إيواء مكتظة يصعب العيش فيها، حيث تشير التقارير إلى أن "مراكز الإيواء التابعة للأونروا تؤوي أكثر من أربعة أضعاف طاقتها الاستيعابية، حيث يبلغ متوسط عدد النازحين في ملاجئ الأونروا في مناطق الوسط والجنوب أكثر من 12,000 نازح، وهو ما يفوق بكثير القدرة المصممة لهذه المرافق" ، مخيمات أدت الى انعدام الخصوصية للنازحين، نقص حاد في المياه والغذاء بالإضافة لانتشار الأمراض بينهم، الى جانب انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية، بالإضافة الى انعدام الأمن الغذائي بسبب سياسية التجويع التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة، هذا ما أكده تقرير الأونروا رقم 172 " في الوقت نفسه، يستمر الوضع الغذائي في قطاع غزة في التدهور. قال مدير دائرة الصحة في الأونروا، الدكتور أكيهيرو سيتا "أن بيانات شهر نيسان "تظهر أن سوء التغذية في ازدياد، ومن ثم فإن ما يثير القلق هو أنه إذا استمر النقص الحالي في الغذاء فإنه سيزداد بشكل كبير، ومن ثم سيخرج عن سيطرتنا". ووفقا لمجموعة التغذية حسبما أفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، تم تشخيص إصابة 2,917 طفلا بسوء التغذية الحاد من أصل 49,527 طفلا تم فحصهم للكشف عن سوء التغذية في الأسبوعين الأولين من شهر أيار - مقارنة بـما مجموعه 2,626 طفلا من أصل حوالي 60 ألف طفل تم فحصهم في شهر شباط. وبشكل عام، منذ شهر كانون الثاني، قام شركاء مجموعة التغذية بتشخيص وعلاج أكثر من 10 آلاف طفل من سوء التغذية الحاد."، بالإضافة لذلك فقد قالت في هذا السياق دكتورة علا عوض رئيس الإحصاء الفلسطيني" منذ الثاني من شهر آذار الماضي، أطبق الاحتلال الإسرائيلي حصاره من جديد على قطاع غزة، ما أدّى إلى تأثيرات بالغة، وجعلت أكثر من مليونَيْ فلسطيني في قطاع غزة في مواجهة خطر الموت جوعاً، بينهم أكثر من مليون طفل من مختلف الأعمار يعانون من الجوع اليومي، فاستشهد نحو 57 طفلاً بسبب الجوع، وأصيب نحو 65 ألف شخص بسوء تغذية حاد نقلوا إلى ما تبقى من المستشفيات والمراكز الطبية المدمرة في القطاع.  كما أن هناك 335 ألف طفل دون سن الخامسة -يمثلون جميع أطفال غزة من هذه الفئة العمرية- على شفا الموت بسبب سوء التغذية الحاد الذي يوجهونها أمهاتهم، كما لا يحصل نحو 92% من الرضع بين 6 أشهر وسنتين بالإضافة الى امهاتهم أمهاتهم على الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية الأساسية، ما يعرضهم لمخاطر صحية جسيمة ستلازمهم طيلة حياتهم"[5].

هذه الأوضاع السيئة وما يزيد عنها الكثير على أرض الواقع تزيد من تعلق النازحين في العودة إلى منازلهم، حتى إن كانت مدمّرة، في سبيل استعادة الحد الأدنى من الاستقرار.

• معيقات حالت دون عودة النازحين داخلياً في قطاع غزة منذ بدء عدوان أكتوبر 2023
بعد ما تم السماح للمدنيين النازحين في مناطق جنوب قطاع غزة بالعودة الى بيوتهم وأماكنهم في شمال قطاع غزة على خلفية وقف إطلاق النار المتفق عليه حيث عاد الى شمال القطاع ما يزيد عن560 ألف نازح من مناطق الجنوب الى مناطق الشمال حتى تاريخ 5 فبراير2025[1]، إلا أن هناك فئة من النازحين لم يستطيعوا العودة الى منازلهم وديارهم بسبب عدة معيقات كانت بمثابة أسباب حالت دون عودتهم الى ديارهم، ومن هذه المعيقات:

أولاً: السيطرة الإسرائيلية العسكرية على المناطق 

منذ بدء حرب أكتوبر 2023، عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى إحكام سيطرتها على مساحات جغرافية واسعة من قطاع غزة، لاسيما المناطق المحاذية للشريط الحدودي الفاصل بين القطاع والأراضي المحتلة، فعلى طول هذا السياج من بين حانون شمالاً حتى رفح جنوباً سيطرت قوات جيش الاحتلال الاسرائيلي على مساحات واسعة من أراضي المواطنين وأماكن سكناهم، وكثفت من انتشارها العسكري في هذه المناطق، وفرضت قيود على الحركة فيها، بل وقامت بإنشاء ثكنات عسكرية ومبيت ونقاط مراقبة، مما جعل العودة إليها وحتى الاقتراب منها شبه مستحيلة بالنسبة للنازحين الذين يرغبون في العودة إلى قراهم وبيوتهم التي تتواجد هناك في انتهاك واضح وخطير لحق العودة الذي يجب أن يتمتع به النازحين الداخلين في قطاع غزة، بالإضافة لسلبهم الحق في الاستقرار.

 علاوة على ذلك، كانت ومازالت مخاوف سكان قطاع غزة من عمليات إعادة التوطين القسري وفق الهوى دولة الاحتلال الاسرائيلي، فالأخيرة تسعى إلى فرض واقع جديد على الأرض يغير من التركيبية السكانية ويعمل على قطع الروابط بين أبناء المكان الواحد.

كما أن الوجود العسكري المكثف في المناطق التي كانت مأهولة بالسكان قبل النزوح أدى إلى تدمير البنية التحتية وقضى على كافة مظاهر الحياة فيها -بيت حانون، بيت لاهيا، الشجاعية، المغراقة، جحر الديك، ثمانية بلدات شرق محافظة خانيونس، ومحافظة رفح بالكامل- هي مناطق دمرت بالكامل على كافة الأصعدة، هذا الأمر الذي أصبح معه العودة إلى المكان كعدمه في ضوء الدمار الذي حل بها، كما أن بعض المناطق أصبحت مغلقة تمامًا أمام المدنيين، مما يعزز فكرة أن الاحتلال يسعى إلى فرض تغييرات ديموغرافية دائمة كما يحدث في رفح ومناطق كبيرة من خانيونس، وبحسب تقرير نشره مكتب الأمم المتحدة لمستجدات قطاع غزة بتاريخ21 مايو2025 "فإن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على قرابة 81% من مساحة قطاع غزة الآن داخل مناطق عسكرية إسرائيلية أو تخضع لأوامر النزوح"([2])، ويشير تقرير الأونروا رقم 168 الصادر بتاريخ 23 مايو 2025 أيضاً بأنه" مع صدور ما لا يقل عن 20 أمر بالنزوح من قبل الجيش الإسرائيلي منذ 18 آذار، فإن حوالي 142,7 كيلومتر مربع من قطاع غزة تخضع الآن لأوامر نزوح سارية المفعول (إجمالي مساحة قطاع غزة تبلغ تقريبا 365 كيلومتر مربع)وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، فإن أكثر من ثلثي قطاع غزة يقع ضمن المناطق "المحظورة" أو تحت أوامر نزوح فعالة أو كليهما، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما يقارب من 161 ألف شخص نزحوا مرة أخرى منذ انهيار وقف إطلاق النار المؤقت".([3])

ثانياً: التدمير الكامل أو الجزئي لمنازل المواطنين

الهجمة الشرسة التي يتعرض لها قطاع غزة منذ عشرين شهراً دون توقف باستخدام أكثر الأسلحة فتكاً والأسلحة المحرمة دولياً والقنابل الفتاكة، كل ذلك خلف دماراً مهولاً وكبيراً، وطال هذا الدمار كافة مناحي الحياة  فهو لم يقتصر على منازل المواطنين فقط بل شمل البينية التحتية كشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي والمدارس والمستشفيات، وامتد ليطال ويحارب السكان في قوتهم ومصدر رزقهم ومعيشتهم، حيث دمر الاحتلال الاسرائيلي الأراضي الزراعية والمصانع وآبار المياه وغيرها، بالإضافة الى منازل المواطنين وأماكن سكناهم حيث تشير تقارير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني  إلى أن ما نسبته 70% من منازل المواطنين تعرضت للدمار الكلي أو الجزئي بما في ذلك 330500 وحدة سكنية منها 68918 دمرت بالكامل حتى 30 مايو 2025([4])، مما يجعل العودة إلى هذه المناطق غير ممكنة في الوقت الحالي وحتى مع وجود عودة مؤقتة فتشير التقارير بأن هناك حوالي 45,678 شخصًا انتقلوا إلى الجنوب بعد عودتهم الى الشمال ،وتلاحظ مجموعة الحماية أن السبب وراء ذلك يرجع إلى غياب الخدمات والدمار الهائل الذي حلّ بالمنازل والتجمعّات السكانية في الشمال، مما ترك الناس دون خيارات ممكنة للحصول على المأوى([5])  هذا من جانب، ومن جانب آخر إن إعادة الإعمار تواجه تحديات جمة، في مقدمتها استمرار الحرب وإصرار جيش الاحتلال على الفتك بما تبقى من مظاهر للحياة في قطاع غزة، وحتى إن توقفت هذه الحرب جاءت المعضلة الأكبر وهي السياسية التي سوف ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي في مسألة الاعمار والتضيق الكبير الذي ستمارسه في ذلك، فقد أثبتت التجربة أن سوء تعاطي الاحتلال في عمليات الاعمار ومثاله المنازل التي هدمت خلال العدوان الحاصل على القطاع في الأعوام 2008 و2012 و2014 لم يتم إعادة بناءها حتى اليوم لأسباب ترجع لسياسات الاحتلال الإسرائيلي، كما أن الحديث في السابق كان يدور حول شح الموارد والمواد وضعفها، ولكن اليوم نتحدث عن انعدام كامل لكافة المقومات اللازمة لإعادة الاعمار، كما أن عمليات إعادة البناء تتطلب ضمانات أمنية واستقرارًا سياسيًا، وهو ما لم يتحقق حتى الآن في ظل استمرار الحرب.

إن جل العائلات التي فقدت منازلها تجد نفسها مضطرة للعيش في ظروف صعبة – في مراكز الإيواء، أو لدى أقاربهم وأصدقائهم، وبعضهم من افترش الشارع وبات ملجأه وملاذه-، هذا ما يزيد الضغط على النازحين الداخليين في القطاع، كما أن فقدان الممتلكات الشخصية نتيجة قصفها أو سرقتها يزيد من معاناة النازحين، بحيث فقد الكثيرون كل ما يملكونه خلال النزوح لأسباب متعددة ومتنوعة وكلها راجعة للضغط العسكري الإسرائيلي، وفي ظل هذه الظروف الصعبة فإن العودة إلى المناطق المدمرة تتطلب جهودًا دولية كبيرة لإعادة الإعمار وضمان توفير عودة آمنة للنازحين، وهو أمر لا يزال بعيد المنال في ظل استمرار العدوان وعدم وجود اتفاق واضح لإنهاء الأزمة.

ثالثاً: غياب الضمانات الأمنية واستمرار القصف والهجمات على المناطق

يواجه النازحون ممن يريدون العودة إلى مناطقهم خطراً محدقاً من جراء استمرار حالة الحرب والقصف والهجمات العسكرية، والتي لم تتوقف منذ السابع من أكتوبر الى يومنا، مما يجعل عودة النازحين الى بيوتهم وديارهم شديدة الخطورة على حياتهم، وحتى المناطق التي شهدت انخفاضًا في وتيرة القصف الإسرائيلي، لا تزال هناك مخاوف من تجدد الهجمات في أي لحظة، خاصة مع عدم وجود اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، فأي محاولة للعودة قد تعرضهم للخطر وتودي بحياتهم مثلما حدث بعد العودة المؤقتة وقيام الاحتلال بإطلاق النيران على العائدين الى مناطق رفح والشرق والشمال من القطاع، لذلك وتحديداً بعدما تم اعلان استئناف العملية العسكرية من قبل الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ18 مارس2025 يحظر على النازحين العودة الى ديارهم بسبب خطورة الأماكن، حيث اشتدت الهجمات العسكرية على جميع المناطق في قطاع غزة  بالإضافة الى اشتداد وتيرة أوامر الاخلاء حيث تشير التقارير ومع حلول نهاية مايو 2025، ارتفع العدد الإجمالي للنازحين إلى أكثر من 632,000 شخص، نتيجة للغارات الجوية المتواصلة وأوامر الإخلاء المتكررة، حيث صدر ما يزيد عن 31 أمر اخلاء جديد.[6]

إضافة إلى ذلك، إن غياب الضمانات الأمنية يجعل من الصعب على العائلات اتخاذ قرار العودة، فلا توجد إلى اللحظة أي ضمانات تكفل حمايتهم كما أن استمرار الحرب بصورتها الحالية يزيد من حالة عدم اليقين بشأن مستقبل المناطق المتضررة، وهل يكتب لسكانها العودة إليها من عدمه، خاصة في ضوء الحديث الإسرائيلي عن احتلال المناطق التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي وسعيه في ابتلاع المزيد والمزيد من الأراضي كما يحدث حالياً في محافظة خانيونس ومحافظات شمال قطاع غزة، وعليه إن العودة إلى المناطق التي لا تزال تشهد عمليات عسكرية تتطلب جهودًا كبيرة لضمان سلامة النازحين، وهو أمر لم يتحقق حتى الآن، مما يجعل النزوح الداخلي مستمرًا دون حلول واضحة في الأفق.

الخاتمة

أن الحق في العودة للنازحين الداخليين في قطاع غزة من الحقوق المكفولة قانوناً محلياً ودولياً ،بل وانه حق يمتاز بالشرعية الدولية تحديداً منذ اصدار قرار الجمعية العمومية رقم 194، الا أنه ووفق ما نشهده من عمليات نزوح قسرية منذ بدء الحرب على قطاع غزة ما هو الا انتهاك صارخ للقوانين الدولية وتحدٍ حقيقي وواقعي للمجتمع الدولي الذي يجب أن يحمل مسؤولية إنسانية وأخلاقية، ويحمل على عاتقه انهاء الإبادة الجماعية الحاصلة في قطاع غزة، والحد من عمليات التهجير القسري، وضمان عودة النازحين عودة آمنة ودائمة الى منازل سكناهم وديارهم تضمن عدم نزوحهم مرة أخرى، وعليه فإننا نخرج بالعديد من التوصيات التي نرجو العمل عليها لضمان تحقيق العودة الآمنة للنازحين الداخليين في قطاع غزة، تتمثل هذه التوصيات بالآتي:

  1. أوصي السلطة الوطنية الفلسطينية بضرورة التحرك العاجل والتدخل الطارئ عن طريق لم شمل الحكم في قطاع غزة بالضفة الغربية من أجل تسهيل وقف إطلاق النار في قطاع غزة من قبل الاحتلال الإسرائيلي وفق ضمانات دولية، وذلك لضمان تسهيل عودة النازحين الغزيين الى أماكن سكناهم عودة دائمة وطوعية آمنة.
  2. يجب زيادة الضغط الدولي على الاحتلال الإسرائيلي بضرورة وقف إطلاق النار بشكل دائم، بما يشمل انسحاب الجيش الإسرائيلي بالكامل من مناطق قطاع غزة على نحو يعزز إعادة النازحين الى أماكن سكناهم بشكل دائم وآمن.
  3. ضرورة العمل على توفير بدائل سكنية مؤقتة للعائدين المدمرة منازلهم ومثاله توفير كرفانات ملائمة للسكن لتكون بديل مؤقت الى حين البدء بإعادة الاعمار وبناء منازلهم مرة أخرى.
  4. فتح المعابر وتسهيل حركة المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل والتي تُستخدم كأداة ضغط، تمنع دخول مواد البناء والاحتياجات الأساسية وتمنع حركة النازحين بحرية بل وتحرمهم الحق في التنقل المكفول دولياً، وأهمها معبر رفح وكرم أبو سالم الى جانب ذلك ولضرورة وصول المساعدات والغذاء للتخفيف عن النازحين المعاناة التي يعيشوها.
  5. وضع خطة شاملة لإعادة اعمار منازل المواطنين الغزيين الذي تم تدميرها من قبل الاحتلال، بالإضافة الى اعمار البنية التحتية من ماء وكهرباء وصرف صحي، ولأن العودة دون إعادة إعمار تعني العودة إلى "العدم"، لذلك يجب تشكيل لجنة دولية لإعادة الإعمار، بتمويل من دول مانحة، وإشراف أممي يضمن الشفافية والسرعة.
  6. نوصي وبعد وقف إطلاق النار بشكل دائم بضمان توفير حماية للعائدين عن طريق نشر مراقبين دوليين أو قوات أممية مؤقتة لضمان عدم التعرض للمدنيين
  7. كما أنه يجب التحقيق في عمليات التهجير القسري التي اتبعها جيش الاحتلال وتفعيل آليات المساءلة والتحقيق الدولي في جميع الجرائم التي ارتكبها منذ حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة ومحاسبة المسؤولين عنها أمام المحاكم الدولية المحاكم الدولية مثل محكمة الجنايات الدولية
  8. غالبًا ما تُتخذ قرارات العودة بدون إشراك النازحين أو المجتمع المدني، بحيث من الضروري إشراكهم في رسم خطة العودة الى منازلهم وتحديد أولويات الإعمار، عبر ممثلي المجتمع المحلي، المنظمات الحقوقية، ولجان الأحياء هذا يعزز فاعلية التنفيذ ويحترم الكرامة الإنسانية.

مد حمد المختص في القانون الدولي

([1])الأوتشا

([1])تقرير الأونروا رقم 173 حول الأزمة الإنسانية في قطاع غزة والضفة الغربية بتاريخ 30 مايو2025

([1])مقابلة دكتور أحمد حمد 

([1])المادة(13) من الإعلان العالمي لحقوق الانسان:" حق الفرد في اختيار مسكنه داخل بلده هو حق أساسي من حقوق الإنسان، يضمن للفرد حرية التنقل والإقامة في أي مكان داخل حدود دولته"

 ([1])جريدة حق العودة، مقال بقلم نضال العزة، في القرار 194 حقوق أكثر من العودة والتعويض

([1])https://news.un.org/ar/story/2024/01/1127422

([1])المبدأ (28) للمبادئ التوجيهية التشريد الداخلي حيث نص على "يقع على عاتق السلطات المختصة، في المقام الأول، واجب ومسؤولية تهيئة الظروف وتوفير الوسائل لتمكين المشردين داخلياً من العودة الطوعية، آمنين مكرّمين، إلى ديارهم أو أماكن إقامتهم المعتادة أو التوطن الطوعي في مكان آخر من البلد. وتعمل هذه السلطات على تيسير إعادة دمج المشردين داخلياً العائدين أو المعاد توطينهم"

([1])تقرير دكتورة علا عوض، رئيس الإحصاء الفلسطيني، من خلال الأرقام والحقائق والمعطيات التاريخية والحالية أوضاع الشعب الفلسطيني في الذكرى 77 لنكبة فلسطين والذي يصادف في الخامس عشر من أيار كل عام.

([1])أخر مستجدات الحالة الإنسانية، تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشوؤن الانسانية https://www.ochaopt.org/ar/content/humanitarian-situation-update-290-gaza-strip

()[1] تقرير الأونروا رقم172 حول الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية

([1])الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني  

 

  ايناس ايهاب أبودلال

  محامية وناشطة حقوقية مهتمة بقضايا الأطفال والأشخاص ذوي الاعاقة