عربيعربي
آثار النزوح على كبار السن خلال حرب الابادة على قطاع غزة 2023

آثار النزوح على كبار السن خلال حرب الابادة على قطاع غزة 2023

مقدمة:

ما تزال "إسرائيل" تنتهك القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان واتفاقية جينيف الرابعة، من خلال سياساتها وإجراءاتها وانتهاكاتها الجسيمة، التي تعبر بشكل جلّي عن سياسة عنصرية استعلائية ممنهجة، والتي تتمثل بأعمال القتل والاغتيالات والاعتقالات، والقيود المشددة المفروضة على حرية الحركة والتنقل والإغلاق والحصار، وهدم البيوت والمنشآت والتهجير القسري للمواطنين فمنذ أكثر من 76 عام والشعب الفلسطيني يتعرض الى نكبات متتالية ومتتابعة عاصر أغلب كبار السن نكبة عام 1948 ونكسة 1967 وما تلاهم من اعتداءات وانتفاضات وحصار مطبق وحروب وصولا لحرب الابادة الجماعية التي يتعرض لها سكان قطاع غزة منذ 7/ اكتوبر 2023 فكل ما مر به الشعب الفسطيني ليس له مثيل بما يعيشه ويعايشه حاليا من حرب الإبادة المستمرة حتى يومنا هذا، والتي خلفت مآسي انسانية جسيمة، فقد طالت هذه الابادة الجماعية كل مناحي الحياة وتعمد الاحتلال بتحويل قطاع غزة المحاصر من أكثر من 17 عام إلى كومة من الحجارة غير قابل للحياة ناهيك عن ممارسات الإحتلال المتعمدة خلال هذه الحرب بإرتكاب أكبر عدد من المجازر وإيقاع أكبر عدد من القتلى الفلسطينيين، إضافة إلى الدمار الواسع في البنية التحتية وهدم أجزاء كبيرة من القطاع وتسويتها بالأرض،في جريمة هي الأبشع في القرن العشرين على مرآى ومسمع العالم أجمع. 

المحور الأول/ واقع كبار السن خلال حرب الابادة المستمرة منذ7/أكتوبر 2023.

حسب تقرير وزارة الصحة الفلسطينية الصادر في 6/كانون الثاني 2025 أدت حرب الإبادة الجماعية المستمرة إلى قتل أكثر من 45805 قتيل مسجل لدى وزارة الصحة الفلسطينية وذلك لا يشمل عدد القتلى المفقودين ، حيث بلغ عدد القتلى من كبار السن 3447 قتيل.
كما أدت حرب الابادة المستعرة منذ 7/أكتوبر 2023 وحتى إعداد هذا التقرير إلى نزوح وتشرد أكثر من85% من سكان غزة، أي حوالي 1.93مليون مواطن فلسطيني في قطاع غزة وتم حصرهم في مناطق جغرافية لا تتعدى 30% من مساحة قطاع غزة تدعي حكومة الاحتلال أنها مناطق إنسانية آمنة، إلا أن هذه الاماكن لم تسلم من آلة البطش الصهيونية، ولم تكن آمنة أو انسانية للحظة طوال عمر هذه الابادة المستمرة منذ أكثر من 458 يوم.

فئة كبار السن هم الأكثر ضرارا من هذا النزوح القسري والمتكرر ووفقا للجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني يشكل مجموع كبار السن 5% من سكان قطاع غزة أي ما يقارب 107000شخص.
يواجه كبار السن انتهاكات وتحديات كبيرة أثناء النزوح نتيجة النزاعات المسلحة والحروب هذه الانتهاكات تتعلق بحقوقهم وظروف معيشتهم فقد تم انتهاك حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بوسائل مختلفة وذلك خلاف لكل المواثيق والمعاهدات الدولية من القانون الدولي والقانون الدولي الانساني واتفاقية حينيف الرابعة، فغالبًا ما يكون كبار السن آخر من يفرون في النزاعات المسلحة، فقد يخشون فقدان منازلهم أو أرضهم التي يمكن أن تكون أغلى ما عندهم، وأحيانًا يعانون من أمراض أو من إعاقة بدنية أو فكرية أو غيرها من الإعاقات، ما يجعل من الصعب عليهم الهرب أو الحصول على معلومات حول عمليات الإجلاء.

في حين بدأ اهتمام الأمم المتحدة بحقوق الأفراد كبار السن متأخر نسبيا، حيث ظهر الاهتمام الدولي بفئة كبار السن من خلال الجهود الحثيثة التي بذلتها هيئة الامم المتحدة في نهايات القرن العشرين، والتي تمثلت في عقد جمعية الشيخوخة الاول في العام1982، وما تمخض عن هذه الجمعية من توصيات، نجم عنها وضع الامم المتحدة عدداً من المبادئ المتعلقة بكبار السن في العام 1991 واعلان الشيخوخة في العام1992، ومن ثم عقد جمعية الشيخوخة الثانية في العام 2002.

1- حقوق كبار السن وفق مبادئ الامم المتحدة المتعلقة بكبار السن للعام 1991: حيث اعتمدت الجمعية العامة للامم المتجدة في العام 1991 مبادئ الامم المتحدة المتعلقة بكبار السن بموجب القرار رقم 46/91 واشتملت هذه الوثيقة على:

مبدأ الاستقلالية: وتشمل حق كبار السن في الحصول على ما يكفي من الغذاء والماء والمأوى والملبس والرعاية الصحية، أيضاً إمكانية ممارسة العمل بأجر والحصول على التعليم والتدريب.

مبدأ المشاركة: وهي وجوب أن يشارك كبار السن في صوغ وتنفيذ السياسات التي تؤثر مباشرة على رفاهيتهم. وأن يقدموا إلى الأجيال الشابة معارفهم ومهاراتهم. وأن يكونوا قادرين على تشكيل الرابطات الخاصة بهم.

مبدأ الرعاية: وتعني وجوب توفير فرص الاستفادة من الرعاية الأسرية والرعاية الصحية لكبار السن وتمكينهم من التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية عند إقامتهم في مأوى للرعاية أو للعلاج.

مبدأ تحقيق الذات: بموجبه ينبغي تمكين كبار السن من التماس فرص التنمية الكاملة لإمكاناتهم من خلال إتاحة إمكانية استفادتهم من موارد المجتمع التعليمية والثقافية والروحية والترويحية.

مبدأ الكرامة: وجوب تمكين كبار السن من العيش في كنف الكرامة والأمن، ودون خضوع لأي استغلال أو سوء معاملة، جسدية أو عقلية، وينبغي أن يعاملوا معاملة منصفة، بصرف النظر عن عمرهم أو جنسهم أو خلفيتهم العرقية أو الأثنية، أو كونهم معوقين، وبصرف النظر عن مركزهم المالي أو أي وضع آخر، وأن يكونوا موضع تقدير بصرف النظر عن مدى مساهمتهم الاقتصادية.

على مرأى ومسمع العالم ومنذ أكثر من 76 عام آخرها حرب الابادة المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023، تنتهك اسرائيل كافة القوانين والأعراف والاتفاقيات الدولية، حيث إنتهكت اسرائيل القوانين الدولية وحقوق الإنسان بشكل سافر، كما تضرب بعرض الحائط كافة القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن دون أي اعتبار لأي إدانات أو تخوف من العقوبات الدولية، ويتعرض كبار السن إلى جملة من الانتهاكات الخاصة بالحقوق الأساسية، وفي مقدمتها الحق في الحياة والأمان، وتوفر الأمن، والمأوى، والغذاء، والدواء، والتنقل، والحماية.

2- حقوق وانتهاكات:

إن حقوق كبار السن تعد جزء من حقوق الانسان والتي تشكل المبادئ العامة التي تكفل الكرامة والمساواة وعدم التمييز وكما أشرنا سابقاَ إلى المبادئ تعتبر ركيزة أساسية لكافة الحقوق التي يجب أن يتمتع بها كبار السن في المجتمع والتي تعد أساساَ للحقوق المقررة لكبار السن وفقا للقوانين والمعاهدات الدولية.

فيما يلي نبين بعض هذه الانتهاكات التي ترتكبها اسرائيل خلال حرب الابادة المستمرة على كبار السن من 7أكتوبر 2023 وحتى اليوم.

أولاً/ الحق في الحياة والأمان والسلامة الجسدية و الحق في الكرامة والاحترام: 

الحق في الحياة هو الركيزة الأساسية لباقي الحقوق المقررة للانسان والذي تسعى كافة القوانين والمعاهدات لحمايته من أي خطر أو عارض يصيبه، فقد نص الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 في نص المادة 3 " لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه" وهو ما أكد عليه البرتوكول الاضافي الأول لاتفاقيات جينيف 1977 حيث نصت المادة 51" يتمتع السكان المدنيون والأشخاص المدنيون بحماية عامة ضد الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية" كما نص الاعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة 1 " يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق وقد اهدوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء" وهو ما أكدت عليه اتفاقية جينيف الرابعة 1949 في المادة 27" للأشخاص المدنيين أن يحترموا احتراما كاملا لحقوقهم الانسانية وأن يتعاملو معاملة انسانية دون تمييز" وقد شددت القاعدة 88 من القانون الدولي العرفي على" توفير الرعاية والاحترام للاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة،بمن فيهم كبار السن" 

الانتهاك: إن الانتهاك لهذه الحقوق بالقتل المباشر والهجمات العشوائية والتجويع وحرمان كبار السن من تلقي الرعاية الصحية و التمييز والاهانة والمعاملة اللانسانية، خصوصا خلال عمليات النزوح وفي أماكن العمليات العسكرية وفي حالات الاعتقال والاحتجاز التعسفي هو واضح وجلي لكل العالم فقد شاهده العالم على منصات التواصل الاجتماعي وفي القنوات الاخبارية الرسمية، وأكثر ما يبين هذا الانتهاك هي الاحصائيات والتقارير الصادرة عن الجهات الرسمية التي تشير إلى أن أعداد الضحايا من القتلى هو أكبر من العدد المعلن من وزارة الصحة، نظرًا لوجود أعداد كبيرة بالمئات في عداد المفقودين تحت الأنقاض، وهناك مناطق حدودية يتعذر على طواقم الإنقاذ الوصول إليها وكما اشرنا سابقاَ إلى أعداد القتلى من كبار السن يبين حجم الانتهاك الذي يتعرضون له في انتهاك حقهم في الحياة، فالقتل والاصابات المباشرة جراء الأعمال العدائية والاهمال المؤي للوفاة وهو حقيقة ثابتة يتعرض لها كبار السن خلال حرب الابادة المستمرة ولا يمكن إخفاؤها.

و أكثر ما يدلل على انتهاك هذه الحقوق ما صرح به في 5 كانون الأول/ديسمبر2023، منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيث بأنه "ما من مكان آمن في غزة لا بالمستشفيات، ولا بالملاجئ، ولا بمخيمات اللاجئين ولا أحد بأمان لا الأطفال ولا العاملين الصحيين ولا العاملين في المجال الإنساني، يجب أن يتوقف هذا الاستخفاف الصارخ بالإنسانية الأساسية يجب أن يتوقف القتال"[iii].

إن هذا التصريح من منسق الاغاثة في حالات الطوارئ قبل أكثر من 14 شهرا مرت على حرب الابادة المستمرة هو أعمق تصريح وأصدقها حيث لا أمان على حياة الانسان في قطاع غزة وليس هناك اي التزام من اسرائيل بالحفاظ عى الحقوق الاساسية المقررة للانسان.

وهو ما يؤكده أيضاً بيان مشترك لهيئة الأسرى ونادي الأسير لانتهاك اسرائيل الحق في الحياة والأمان والسلامة الجسدية والكرامة والاحترام لكبار السن، فوفقا لشهادة أحد المعتقلين، أفرج عنه مؤخرًا، وكان برفقة المسن  المعتقل أحمد رزق أحمد قديح الذي فتل في 16/2/2024 ، "فإن المسن قديح كان في معسكر يبعد عن حاجز (كرم أبو سالم) نحو ساعتين، حيث نقل للتّحقيق، وتعرض للتّعذيب الشّديد، تركزت على أطرافه، وقد ظهرت آثار التّعذيب الشديد عليه بعد إعادته إلى مكان احتجاز المعتقلين".[iv]

تبين مثل هذه التصريحات والبايانات والتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية، مدى تغول اسرائيل في انتهاكاتها للحقوق الأساسية المقررة للانسان.

ثانياً/ الحق في الرعاية الصحية: فقد نص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966 في المادة 12" تعترف الدول الاطراف بحق كل انسان في التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية" ونصت ايضا اتفاقية جينيف الرابعة 1949 في المادة 16" يجب أن يمنح الجرحى والمرضى وعناية طبية وانسانية إلى اقصى حد ممكن" 

الانتهاك: غالبية كبار السن في قطاع غزة يعانون من أمراض مزمنة تتطلب متابعة ورعاية صحية و طبية منتظمة، وزادت معاناتهم نتيجة لنزوح عدد كبير من كبار السن، واستمرار اسرائيل بحرب الابادة وتدميرها المرافق الصحية وتعطيل خدماتها، ومنعهم من تلقي الرعاية الصحية اللازمة ومنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية، ومن الوصول الى ادويتهم ومواعيدهم الطبية.

الأمر الذي أدى إلى صعوبة الحصول على الرعاية الصحية ونقصها وحرمانهم من حقهم بالحصول على رعاية صحية كما أدى إلى تفاقم الأمراض المزمنة التي يعانون منها، كما سبب تدهور في حالتهم الصحية و إلى انتشار الأمراض المعدية، كما أن قلة الغذاء المتوفر في مراكز ومخيمات النزوح وصعوبة الحصول على مياه صالحة للشرب ادت الى انتشار سوء التغذية بين كبار السن، حيث يحتاج المرضى المصابين بأمراض مزمنة إلى توفر الأدوية والعلاجات المناسبة بشكل دائم، وتأخرهم عن تناول الدواء يفضي إلى تدهور أوضاعهم الصحية، ويعرض حياتهم لخطر الموت، وعليه انقطع كثير من المرضى عن تناول أدويتهم بانتظام، فيما توقف البعض عن تناول الدواء لعدم توافره في الصيدليات أو المراكز التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). ويبلغ عدد المصابين بأمراض مزمنة في قطاع غزة حوالي (350,000) مريضاً، وجميعهم حرموا من تلقي الرعاية الصحية اللازمة جراء حرب الإبادة الجماعية .

وما يبين هذه الانتهاكات شهادة أحد كبار السن الذي يقول فيها "بصوت خافت يقول الجد ميسرة "أنا رجل مسن لا أكاد أقوى على الحركة، والحياة التي نعيشها اليوم تحتاج إلى شباب ليتمكنوا من تدبر الطعام، وكما ترى لا يوجد لي أبناء فأنا لم أنجب أحداً وأعيش مع زوجتي وهي الأخرى ضعيفة" الجد ميسرة مريض بالقلب، وعمره (77 سنة)، ويحتاج إلى أدوية ومتابعة صحية. ويضيف "أصبحت أخجل أن أذهب إلى المستشفى، هناك آلاف الجرحى، وأولى مني في متابعة حالاتهم، دعني أصارحكم، لا أستطيع التحرك من مكاني، ومن الصعب عليَّ بذل مجهود بالمشي إلى المراكز الصحية لأخذ أدويتي فمنذ الحرب لم أتناول حبوب العلاج" نزح ميسرة من بيت حانون في شمال غزة إلى رفح أقصى الجنوب، وقطع الطريق مشياً، يوضح أنه أخذ يبحث عن كرسي متحرك لأيام ولم يجده، ولذا اضطر إلى الاستراحة مئات المرات، ولم يترك بيتاً ولا شارعاً إلا وأخذ فيه قسطاً من الراحة. ويؤكد أن ذلك سبب له مضاعفات صحية وبات يشعر بأنه الضحية المقبلة في الحرب".

ثالثاً/ الحق في الحماية من العنف والاساءة: نص الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 المادة5" لا يجوز اخضاع أحد للتعذيب ولا لمعاملة أو العقوبة القاسية أو الاانسانية أو مهينة" ونص الابرتوكول الاضافي الثاني لاتفاقيات جينيف 1977 في المادة 4" يحظر الأمر بشن هجمات على السكان المدنيين أو اي فراد من أفرادهم"

الانتهاك: كبار السن بسبب ظروفهم الصحية يعتمدون كثيراً على الاخرين في تلبية احتياجاتهم اليومية والنزوح يزيد من هذا الاعتماد ويقلل من شعورهم بالاستقلالية مما يزيد من تعرضهم للعنف الجسدي والنفسي والاساءة والاستغلال، كما ان العيش في ظروف غير مستقرة، وعدم اليقين بشأن المستقبل، أدى إلى فقدانهم الشعور بالأمان والاستقرار، وازدياد حالات الاكتئاب والقلق، كما أدى ذلك إلى ارتفاع معدلات الصدمة النفسية لدى كبار السن وذلك من خلال فقدان الهوية والانتماء على الدمار والخسائر البشرية وفقدان الممتلكات والاحباء فكل هذه عوامل تزيد من حدة الصدمة النفسية لدى كبار السن كما أن العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة التي يعاني منها كبار السن في حالات النزوح أدت إلى فقدان الدعم الاجتماعي من العائلة والاصدقاء، وإلى صعوبة التكيف مع بيئة جديدة.

ومن أقسى صور العنف والاساة التي تعرض لها كبار السن هي سياسة اسرائيل خلال هذه الحرب كم اعتقال كبار السن واحتجازهم في ظروف لاانسانية وعدم إلتزامها بالقرارات الدولية التي تعنى بحماية المدنيين.

وذلك ما يثبته مقطع مصور، ظهر فيه المسن رائد طافش (66 عامًا) بعد الافراج عنه وآثار التعذيب على أنحاء متعددة من جسده النحيل، المريض بالفشل الكلوي، أُفرج عنه من قبل الاحتلال بعد 51 يومًا من الاعتقال في ظروف صعبة، وتحدث المسن عن طرق إذلال الجنود للمعتقلين دون مراعاة السن أو الحالة الصحية، وتعذيبهم بشتى الطرق من الضرب والشتائم ومنعهم من الذهاب إلى الحمام أو شرب الماء، وتركهم لأيام بالعراء والبرد القارس دون طعام.

رابعاً/ الحق في المأوى الائق: نص الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 المادة 25" لكل شخص الحق في مستوى معيشي يكفل له ولأسرته الصحة والرفاهية ويشمل ذلك الأكل والملبس والمسكن والرعاية الطبية" كما نصت اتفاقية جينيف الرابعة 1949 في المادة 49" يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم"

الانتهاك: القصف العشوائي المستمر أدى إلى تدمير آلاف المنازل والمرافق العامة التي تقدم الخدمات لكبار السن، بالاضافة إلى أوامر الاخلاء المتكررة التي أجبرت كبار السن إلى النزوح من بيوتهم وأماكن سكناهم بظروف صعبة جدا إلى أماكن بعيدة وإلى مراكز ايواء ومخيمات نزوح غير مهيئة لاحتياجاتهم الخاصة فهذه الأماكن تنعدم فيها الخصوصية، مما يفاقم من معانة كبار السن، ورغم وحشية الحرب في قطاع غزة، إلا أن كثير كبار السن لم يتنازلوا عن منازلهم، وكثير منهم رفضوا النزوح أو الإخلاء، حتى أنهم فضلوا الموت على التخلي، مستذكرين بذلك ما حصل في نكبة عام 1948، آملين بحمايتهم وفقاً لأحكام القانون الدولي التي توجب ذلك.

وبالنظر إلى سياسة التهجير القسري نجد أن الاحتلال تعمد اجبار المواطنين على النزوح من خلال وسائله القتالية وطريقة ادارته لحرب الابادة على قطاع غزة، والتي أعلن عنها مسؤولون كبار في الحكومة الإسرائيليّة ومجلس الحرب بشكل متكرر عن نيتهم في تهجير السكان قسرا، وعن هدف سياساتهم طوال النزاع، من الأيام الأولى للحرب إلى أكثر من عام بعدها، حيث صرّح وزراء في الحكومة بأن أراضي غزة سوف تتقلّص، وأنّ قصف غزة وتسويتها بالأرض أمر محتمل، وأنّ الأراضي سوف تُسلّم للمستوطنين. فقد صرح آفي ديختر، وزير الزراعة والأمن الغذائي الإسرائيلي: " نحن الآن بصدد تنفيذ نكبة".[viii]

ويتبين ذلك أيضاً مما صرحت به " إن مارتن غريفيثس وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة الطارئة أن غزة أصبحت مكانا للموت واليأس وأن الأسر تنام في الخلاء فيما تنخفض درجات الحرارة. ونقلت عنه أيضا القول إن الأماكن التي تُوجه بشأنها أوامر للمدنيين بالانتقال إليها، قد قُصفت كما تتعرض المنشآت الطبية للقصف المستمر.

ويتثبت هذا لانتهاك الخطير ايضاً توثيق للمرصد الأورومتوسطي وثق فيه مقتل مدير مستشفى الوفاء للمسنين إثر استهداف مباشر من الطائرات الاسرائيلية للمستشفى مما أدى إلى مقتل مدير المستشفى مدحت محيسن وإصابة عدد كبير من المسنين داخل المستشفى ومنع وصول الاسعافات لمقر المستشفى، علماً أن مركز الوفاء لرعاية المسنين هو الوحيد لإيواء ورعاية المسنين في قطاع غزة وأكد الأورومتوسطي أن هذه الحالات ما هي إلاّ نموذج لعمليات إعدام وتصفية جسدية تعرض لها عشرات المسنين، في المناطق التي تشهد توغلات للقوات الإسرائيلية وذكر أن المسنين يدفعون ثمناً باهظاً للهجمات غير المتناسبة التي تنفذها القوات الإسرائيلية[ix].

خامساً/ الحق في الغذاء والماء: نصت اتفاقية جينيف الرابعة 1949 في المادة 55" تلتزم الدول الحاجزة بتزويد السكان المحميين بالغذاء والوازم الطبية وهو ما أكده نص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966 في المادة 11" تقر الدول الأطراف بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، بما في ذلك ما يكفي من الغذاء"

الانتهاك: يترجم هذا الانتهاك واقعيا بحجم المطالبات الدولية من دولة الاحتلال بعدم استخدام الجوع سلاحا ضد المدنيين في غزة والذي يرتقي بأن يكون جريمة حرب، واصدار أكثر من أمر من محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير مؤقتة في القضية المرفوعة من جنوب أفريقيا والتي تدعي بها أن اسرائيل تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية لسنة 1948، حيث أمرت محكمة العدل الدوليّة إسرائيل في 26 يناير/ 2024"باتخاذ تدابير فوريّة وفعّالة لتوفير الخدمات الأساسيّة والمساعدات الإنسانيّة التي تشتدّ الحاجة إليها... في قطاع غزة".

كم أشارت محكمة العدل الدوليّة إلى أنّ "الظروف المعيشيّة الكارثية للفلسطينيين في قطاع غزة تدهورت بشكل أكبر"، واستشهدت بـ"الحرمان المطوّل والواسع من الغذاء وغيره من الضروريات الأساسيّة"، وأصدرت تدابير أخرى في مارس/2024 تأمر فيه إسرائيل بضمان توفير الخدمات الأساسيّة والمساعدات الإنسانيّة التي تشتدّ الحاجة إليها، "بما في ذلك الغذاء والمياه والوقود والمأوى والملابس ومتطلبات النظافة والصرف الصحّي، إلى جانب المساعدات الطبيّة، بما في ذلك الامدادات الطبيّة والدعم" وفي 24 مايو/أ2024، أصدرت محكمة العدل الدوليّة أمرا ثالثا يُلزم إسرائيل "بالحفاظ على معبر رفح مفتوحا لتوفير الخدمات الأساسيّة والمساعدات الإنسانيّة التي تشتدّ الحاجة إليها دون عوائق"، في حين أشارت القاضية دوناهيو، قبل النطق بأوامر المحكمة بشأن التدابير المؤقتة، إلى ما قالته الأمم المتحدة آخر العام الماضي بعد إيفاد مهمة إلى شمال القطاع، عن أن 93% من السكان يواجهون مستويات الأزمة من الجوع مع عدم توفر الغذاء الكافي وارتفاع معدلات سوء التغذية".

رغم هذا الأمر الملزم من محكمة العدل الدولية إلا أن اسرائيل وليومنا هذا تضرب بعرض الحائط كافة هذه الأوامر فلا زالت تمنع وتقيد دخول المساعدات وتعمل على تعطيل وتأخير دخول المساعدات إلى المؤسسات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني في قطاع غزة، الأمر الذي فاقم المعاناة الانسانية في القطاع وتم رصد أكثر من نداء عاجل من منظمات الأمم المتحدة بشأن حلول مجاعة في قطاع غزة.

وفي رسالة وجهها منسق الأمم المتحدة للشؤون الانسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة مهند هادي بعد زيارة استغرقت يومين لقطاع غزة زار فيها عددا من المناطق والمستشفيات وإلتقى أشخاص في الملاجئ " يفقرون إلى الخدمات الأساسية والطعام" حيث قال فيها "أولئك الذين لا يموتون بالرصاص أو القنابل، قد يموتون بسبب نقص الرعاية الصحية المناسبة أو نقص الطعام أو مياه الشرب الآمنة".

سادساً/ الحق في التنقل بحرية: فقد نص القانون الدولي لحقوق الانسان 1948 المادة13" لكل فرد الحق في حرية التنقل واختيار مكان اقامته داخل حدود كل دولة" وهو ما نصت عليه اتفاقية جينيف الرابعة 1949 في المادة 27 " يجب على جميع أطراف النزاع أن تحترم حقوق الاشخاص المحميين في التنقل".

الانتهاك: إن القيود المفروضة على حركة المواطنين في قطاع غزة وخاصة كبار السن بعد تقسيم قطاع غزة إلى جنوب وشمال ومنع النازحين إلى الجنوب من العودة إلى أماكن سكناهم، بالاضافة إلى صعوبة تنقلهم في المناطق التي يسكنوا بها أو التي  نزحوا إليها خلال الحرب، أو من إخلاء أماكن سكناهم ونزوحهم بأمان في حالات اوامر الاخلاءات المتكرة التي شهدها قطاع غزة، في حين أن كثير من كبار السن لم يتمكنوا من اخلاء مناطق سكانهم حيث لم يكن الوقت كافي للاجلاء أو أن الوقت يكون متأخر بالليل أو أن حالتهم الصحية لا تسمح لهم بالحركة والهرب.
إضافة إلى اغلاق المعابر وحرمان المواطنين من السفر، ومنع وصول أجهزة الدفاع المدني أو الاسعافات لنقل المواطنين او الحالات المرضية أو إجلاء السكان المحاصرين في أماكن تصنفها اسرائيل أنها مناطق قتال، كل هذه القيود التي حرمت المواطنين في غزة وخاصة كبار السن من حقهم في التنقل بحرية وأمان داخل قطاع غزة لأكثر من سنة ونصف حتى الآن تبين مدى حجم انتهاكها للحق في التنقل بحرية داخل القطاع أو داخل المناطق التي يقيمون بها أو نزحوا إليها.
وأكثر ما يوضح هذا الانتهاك أن الجيش الإسرائيلي أصدر ما لا يقل عن 184 أمر إخلاء أجبر 1.9 مليون فلسطيني في غزة على النزوح من منازلهم وأماكن سكناهم إلى وجهات متعددة.

حيث أجبر الأمر الأول وحده الصادر في 13 أكتوبر 2023 أكثر من مليون شخص على النزوح من منازلهم، وحتى يوليو 2024، أفاد أوتشا أن غالبية السكان في غزة لا يزالون نازحين داخليا.

كما تبين هذا الانتهاك وما ترتب عليه إفادة قدمتها فايزة سعيد أبو شماس، 78 عام، سكان معسكرالشاطئ غرب غزة لمركز الميزان حيث أفادت "بعد اشتداد القصف على مخيم الشاطئ حيث أسكن، نزحنا إلى مدرسة العالية (مدرسة تابعة للأونروا في المخيم) وبعد لجوء أهالي المنطقة للمدارس، ألقى الاحتلال منشورات ورقية بضرورة اخلاء سكان المنطقة الى جنوب قطاع غزة، لا أذكر تاريخ ذلك بالضبط، لكنا لم نغادر المدرسة لأننا لا نعرف أي مكان نلجأ له في الجنوب، وأثناء وجودنا في المدرسة رأينا كل أصناف الرعب والخوف وعدم النوم من أصوات القذائف والأحزمة النارية والفسفور الأبيض حتى وصل القصف إلى الغرفة التي كنت أقيم بها ونجوت حينها من الموت المحقق. 

سابعاً/ الحق في الحماية القانونية: وهو ما نصت عليه اتفاقية جينيف الرابعة 1949 في المادة 147" تعد الابعاد القسري والمعاملة القاسية أو الاانسانية جرائم جسيمة" وهو ما كرسه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998 في المادة 7" تعتبر التهجير القسري والمعاملة اللانسانية جرائم ضد الانسانية" وفي المادة8" يعتبر استهداف المدنيين والهجمات على البينة التحتية الانسانية جرائم حرب"

الانتهاك: لم تلتزم اسرائيل بأي قواعد أو قوانين دولية تراعي فيه المدنيين أو كبار السن لحالتهمم الخاصة ونظراً لوضعهم القانوني الخاص، في وقت كان من المفترض أن تحظى فئة كبار السن في المجتمع بحماية إضافية عن الحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني للمدنيين.

إلا أن إسرائيل استباحت كل ذلك، ووضعتهم أهدافًا مشروعة في حرب الابادة المستمرة وسط صمت وتواطؤ من المجتمع الدولي، فالقتل الممنهج و التهجير القسري والمعاملة القاسية والوحشية والحرمان من الرعاية الصحية والاستهداف المتعمد للمرافق الصحية والمدنية والاعتقال والاخفاء القسري والتعذيب، كل هذه الانتهاكات التي مورست خلال حرب الابادة على جميع سكان غزة وكانت فئة كبار السن الأكثر معاناة من هذه الانتهاكات، تستوجب حماية قانونية مقررة ومكفولة في القانون الدولي والمواثيق الدولية، إلا أن انعدام آليات المسائلة وغياب العدالة الدولية ودعم بعض الدول لاسرائيل دعماَ مطلقاَ غير محدود في حربها على غزة دون العمل على إلزام اسرائيل باتخاذ الحد الأدنى في حماية المدنيين وإلزامها بقواعد القانون الدولي الانساني و باتفاقية جينيف الرابعة أدت إلى الوصول إلى هذه الانتهاكات كافة.

في يحن أن القرار الدولي الوحيد الذي اعتمده مجلس الأمن خلال حرب الابادة المستمرة على قطاع غزة في ديسمبر/2024 يحمل الرقم 2720، والذي دعا إلى تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وضمان حماية المدنيين. هذا القرار، الذي تم تمريره دون اعتراض من الولايات المتحدة، اعتُبر استثناءً إيجابياً يُبرز إمكانية التوافق الدولي عند غياب الفيتو الأمريكي. إلا أن عجز المجلس عن فرض تنفيذ القرار على الأرض أفقده قيمته، ما ساهم في استمرار أزمة الثقة بدور الأمم المتحدة كأداة لتحقيق العدالة الدولية.

في حين طالبت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز، دول العالم بفرض عقوبات على إسرائيل وحظر تصدير السلاح لها على الفور، لوجود أدلة تفيد بارتكابها جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة. وأكدت ألبانيز أن ثمة الكثير من العناصر المنطقية التي تفيد بارتكاب إسرائيل أعمال إبادة عدة في قطاع غزة، وأنها تلاعبت بالقانون الدولي الإنساني لتبرير ارتكاب انتهاكاتها في القطاع.

المحور الثاني / كبار السن في القانون الفلسطيني وفي القوانين و المواثيق الدولية: 

الاطار القانوني: اغلب القوانين المحلية والدولية لم تفرق بين أفراد المجتمع حسب معيار محدد ولكنها أرست قواعد قانونية عامة يتم التعامل بناء عليها داخل المجتمعات دون تمييز فئة عن أخرى حسب العمر، سواء في الحقوق المدنية أو في الحقوق السياسية أو الحقوق الاجتماعية أوغيرها من الحقوق، ونجد أن القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003نص على هذه الحقوق بشكل عام في الباب الثاني كالحق في المساواة وحماية حقوق الانسان، والحق في الحرية الشخصية، حرية الرأي، وحرية الاقامة والتنقل، والحق في السكن، والحق في التعليم، والحق في العمل، والحق بالمشاركة السياسية وغيرها من الحقوق المكفولة والتي تسعى السلطة الفلسطينية إلى تأمينها وحمايتها.، ويتضح من النصوص القانونية أن العمر المعتمد لكبار السن في فلسطين هو 60 عام فما فوق وذلك وفق لقانون التقاعد العام الفلسطيني رقم 7 لسنة 2005، ومسودة قانون كبار السن، مشروع قانون حقوق المسنين لسنة 2012.

وعلى الصعيد الدولي فقد أرسيت قواعد قانونية ومبادئ أساسية عامة وهي مجموع الحقوق التي يفترض ان يتمتع بها بني الإنسان، وتشكل حاليا شريعة عامة لحقوق الإنسان حتى إنها سميت بـ (الشِرعة الدولية لحقوق الانسان), وتشمل ميثاق الامم المتحدة سنة 1945, والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة1966,والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لسنة1966، على الرغم من أن الاعلان العالمي لحقوق الانسان لا يذكر صراحة كبار السن، إلا ان العديد من مواده تنطبق بشكل مباشر على حقوقهم حيث تم الاكتفاء بارساء هذه القواعد و الحقوق التي تنطبق على كبار السن بطريقة ضمنية فهي قواعد عامة لحفظ حياة الانسان وكرامته مثل الحق في الصحة والحق في العمل والحق في الضمان الاجتماعي والحق في مستوى معيشي لائق وغيرها من الحقوق.

القانون الدولي: القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان هما فرعان قانونيان مختلفان ولكنهما متكاملان وكلاهما معني بحماية الأرواح والصحة وصون الكرامة حيث تنطبق أحكام القانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلحة بينما تنطبق قواعد قانون حقوق الإنسان في جميع الأوقات، في السلم والحرب. [iii]

القانون الدولي الإنساني واتفاقية جينيف الرابعة 1949 والتي تعنى بصورة أساسية بحمایة الأشخاص المدنیین في وقت الحرب ومنع الهجمات العشوائية ضدهم .

أولى القانون الدولي الانساني واتفاقية جينيف الرابعة، أهمية خاصة لحماية المدنيين من أخطار العمليات الحربية، كما أكد على أن حق أطراف النزاع في اختيار أساليب ووسائل القتال ليس حقاً مطلقاً، بل هو مقيد باحترام حياة الأشخاص المدنيين، حيث أنالنزاعات المسلحة الدولية أكثر أشكال النزاع خضوعا لقواعد القانون الدولي الإنساني، إذ تنطبق جميع قواعد لاهاي لعامي 1899 و1907 واتفاقيات جنيف على النزاعات المسلحة والاحتلال، كما حرمت قواعد القانون الدولي الإنساني الاعتداء على المدنيين، فألزمت الأطراف المتعاقدة بضرورة اتخاذ التدابير المناسبة التي تجعل المدنيين بمعزل عن التأثر بالعمليات الحربية، وقد تجلى ذلك في اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب، والمقصود بالحماية هنا مجموعة من الضمانات والحصانات الكفيلة باحترام حقوق الإنسان في الحرب.

في حين نصت المواد 50.51 في  البروتوكول الاضافي الاول لاتفاقيات جينيف 1977 على حماية المدنيين و بما فيهم كبار السن.

في حين نصت القاعدة (138) من قواعد القانون الدولي الانساني العرفي" يتمتع كبار السن والمعوقون والعجزة المتأثرون بنزاع مسلح باحترام خاص وحماية خاص".

الخاتمة

خلال حرب الإبادة المستمرة التي تشنها اسرائيل على قطاع غزة، يتعرض كبار السن لانتهاكات جسيمة وممنهجة لحقوقهم الأساسية، وفي انتهاك صارخ للقانون الدولي الانساني واتفاقية جينيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في النزاهعات المسلحة، والاتفاقية الثالثة التي تكفل الحماية للمحتجزين والأشخاص غير المشاركين في الأعمال العدائية.

 تستهدف هذه الانتهاكات كبار السن بشكل مباشر وغير مباشر، من خلال عمليات القصف العشوائي، والتهجير القسري، والحصار، والحرمان من الرعاية الصحية، والغذاء والماء، كما تم تقويض حقوقهم الانسانية الأساسية بما في ذلك الحق في الحياة، الصحة، الكرامة، المأوي، الأمان، 

ولقد أثرت هذه الانتهاكات على النسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمع الفلسطيني حيث أفقدت الأجيال الشابة صلتها بأدوار كبار السن كحماة للتراث والقيم المجتمعية، كما أدى الاهمال المتعمد لاحتياجاتهم الى تعميق شعورهم بالعزلة والتهميش، مما يعكس انعدام الحماية المقررة لهم وفق القوانين الدولية في النزاعات المسلحة، ان استمرار هذه النتهاكات دون محاسبة يشكل خرقاً صارخاً للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني ولحقوق الانسان.

وعليه يدعو التقرير إلى التحرك العاجل من المجتمع الدولي لضمان حماية كبار السن في غزة وهي مسؤولية انسانية وأخلاقية وقانونية يجب أن تتصدر أولويات جميع الأطراف المعنية، لضمان العدالة والكرامة للجميع، وخصوصاً لفئة كبار السن الذين عايشوا نكبات وأزمات متكررة وواجهوا أعباء مضاعفة نتيجة الصراع والحرب، كما نؤكد على ضرورة تطبيق نصوص القانون الدولي لضمان توفير الحماية العاجلة والفورية لكبار السن في غزة.

النتائج المترتبة على انتهاكات حقوق كبار السن:

1- ارتفاع معدل القتلى والوفيات بين كبار السن نتيجة القصف العشوائي والظروف المعيشية الصعبة والبيئة الغير آمنة إثر النزوح وفقدان مقومات الحياة الأساسية لكبار السن.

2- تدهور الحالة الصحية الجسدية والنفسية لكبار السن خاصة المصابين بأمراض مزمنة، ونقص الرعاية الصحية اللازمة والخدمات، التي تؤدي لتفاقم الأمراض ويجعلهم عرضة للمضاعفات والوفيات، كما تسبب الصدمات النفسية الناتجة عن فقدان الأحباء أو الممتلكات أو التعرض للعنف في حالات من الإكتئاب والقلق واضطرابات ما بعد الصدمة وإلى زيادة شعورهم بالعزلة والوحدة.

3- تدهور الوضع الاقتصادي لكبار السن ما يزيد من فقرهم واعتمادهم على المساعدات الانسانية، الأمر الذي ييضعف استقلاليتهم ويعرضهم للاهانة وسوء المعاملة مما يجعلهم عرضة للجوع والمرض والاهمال.

4- تفكك البنية الاجتماعية وتراجع الأدوار المجتمعية لكبار السن، إن فقدان كبار السن يؤدي إلى خسارة المعرفة والخبرات التي يقدمونها كجزء أساسي للنسيج الاجتماعي والثقافي، كما يعيق النزوح كبار السن عن تأدية دورهم التقليدي كداعم أو ناصح للأسرة والمجتمع، ذلك أنهم حماة الثقافة والهوية في المجتمع الأمر الذي يؤدي إلى انقاطع الأجيال الشابة عن هذه الجوانب الثقافية والتاريخية.

5- انعدام الثقة في القوانين الدولية والمؤسسات الدولية وذلك لعدم تمكنهم من توفير حماية لهم أثناء الحرب أو توفير أدى حقوقهم الصحية والاجتماعية، مما يزيد من شعورهم بعدم المساواة وضعف هذه المؤسسات. 

التوصيات: إن الانتهاكات التي يتعرض لها كبار السن خلال حرب الابادة المستمرة، تؤدي إلى أزمات عميقة على المستوى الشخصي لكبار السن وعلى المجتمعات، مما يتطلب تدخلات إنسانية عاجلة ومستدامة وسياسات تهدف إلى حماية حقوق هذه الفئة الضعيفة وضمان ظروف معيشية كريمة لهم في أوقات النزاع وما بعدها توصيات عاجلة وعامة :

1- وقف فوري للأعمال العدائية: يجب على المجتمع الدولي الضغط على اسرائيل لوقف القصف والعدوان على قطاع غزة، وضمان حماية المدنيين بما في ذلك كبار السن.

2- تأمين دخول المساعدات الإنسانية: يجب العمل على فتح المعابر والسماح بدخول المساعدات الانسانية دون قيود، مع التركيز على تلبية احتياجات كبار السن من الغذاء والأدوية والرعاية الصحية.

3- توفير الرعاية الصحية اللازمة: يجب العمل على إعادة ترميم وبناء المرافق الصحية وتزويدها بالأدوية والمعدات اللازمة لتقديم الرعاية الصحية لكبار السن، وخاصة لكبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة. 

4- توفير الدعم النفسي والاجتماعي: يجب تقديم خدمات الدعم النفسي والاجتماعي لكبار السن المتضررين من الحرب، لمساعدتهم على التعامل مع الصدمات والتحديات التي يواجهونها .

5- ضمان المساءلة: يجب التحقيق في الانتهاكات المرتكبة ضد كبار السن ومحاسبة المسؤولين عنها، لضمان عدم تكرارها وحماية حقوق الانسان. 

توصيات متخصصة:

1- وضع سياسات واستراتيجيات طويلة الأمد لحماية كبار السن، وذلك من خلال إصدار تشريعات خاصة تعزز حقوق كبار السن، تهدف لحمايتهم وحفظ حقوقهم أثناء النزاعات،واقرار سياسات لضمان تطبيق هذه القوانين.

2-  إعداد خطط استجابة وطنية شاملة تراعي احتياجات كبار السن أثناء النزاعات، وتوفير أماكن آمنة لايوائهم وتوفير سبل الوصول للخدمات الأساسية .

3- تطوير خدمات صحية مستدامة ومتخصصة من خلال مراكز رعاية متخصصة وإنشاء وحدات صحية متنقلة متخصصة لرعاية كبار السن مع التركيز على تقديم الأدوية للأمراض المزمنة وتوفير لقاحات خاصة بهم وبرامج فحص مبكر وأدوات ومستلزمات طبية.

4- الدعم النفسي والتركيز على جوانب الصحة النفسية من خلال برامج إعادة تأهيل نفسي وتوفير جلسات نفسية جماعية أو فردية لكبار السن المتضررين من آثار الحرب والنزوح تساعدهم على التخلص من  حالات الاكتئاب والقلق والعزلة الاجتماعية والخوف مع اشراك خبراء دوليين في الصحة النفسية.

5- تعزيز التغذية السليمة والامن الغذائي من خلال تخصيص حصص غذائية تتناسب مع احتياجات كبار السن، والعمل مع المنظمات الدولية لتأمين إمدادات غذائية دائمة لكبار السن. 

6- اعادة بناء الروابط المجتمعية من خلال برامج دعم اجتماعي وإحياء الأدوار المجتمعية لكبار السن، والعمل على تأهيل قدراتهم ومشاركتهم في صنع القرار لضمان فعاليتهم في المجتمع وإعادة دورهم الثقافي والاجتماعي .

 

  ثائر كمال الغصين

  محامي وناشط حقوقي ومجتمعي، مهتم في الدفاع عن حقوق الإنسان والعمل على رفع الوعي حول القضايا الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية.