تتناول هذه الورقة التحديات التي واجهت توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة خلال حرب أكتوبر 2023، والتي كانت واحدة من أعظم الكوارث الإنسانية في تاريخ المنطقة. نتيجة لهذه الكارثة غير المسبوقة، زاد الاعتماد على المساعدات الإنسانية بشكل كبير، مما أدى إلى تراجع حاد في إمداداتها وفقدان القدرة على تلبية احتياجات السكان المتزايدة. في هذا السياق، تلعب المؤسسات الأهلية دورًا محوريًا، رغم التحديات المتمثلة في نقص الخبرة وغياب المعايير الحديثة والقيود اللوجستية والأمنية.
تهدف هذه الورقة إلى تحليل سياسات توزيع المساعدات الإنسانية في المؤسسات الأهلية خلال الكارثة ، واستخلاص الدروس المستفادة لتطوير السياسات والنظم المستخدمة في هذه المؤسسات. كما تسعى الورقة إلى تقديم حلول عملية لتحسين العدالة والكفاءة في توزيع المساعدات. يتضمن التحليل تقييماً شاملاً للثغرات في السياسات الحالية، وشرحاً لتأثيراتها على فعالية وكفاءة توزيع المساعدات، إلى جانب اقتراح حلول استراتيجية لتطوير السياسات والإجراءات بما يحقق نتائج أفضل وأكثر تأثيراً في سياق الأزمة الإنسانية.
تضمنت التحديات الرئيسية في توزيع المساعدات نقص البيانات الدقيقة، غياب التنسيق بين المؤسسات، تدهور البنية التحتية، وفقدان المعايير التي تضمن توزيعًا منصفًا. و الأسباب المؤدية لهذه التحديات: غياب المعايير الحديثة، عدم وجود نظام موحد للبيانات، ونقص الخبرة في إدارة الطوارئ على نطاق واسع.
وأوصت الورقة بجملة من التوصيات لتطوير سياسات توزيع المساعدات في المؤسسات الأهلية، بما يعزز العدالة والكفاءة ويضمن توزيعًا أكثر إنصافًا وفعالية للمساعدات الإنسانية في ظل استمرارية هذه الكارثة. منها: تطوير نظام موحد لبيانات المستفيدين والمساعدات لتعزيز الشفافية، إنشاء سياسة تنسيق وطنية موحدة للمساعدات، تطوير نظام آمن وفعال لتخزين الموارد وضمان الوصول السريع في الطوارئ.، تطوير خطة استجابة طوارئ متكاملة بين المؤسسات الإنسانية، تبني سياسة توزيع بناءً على احتياجات المتضررين، إنشاء آلية رقابة مجتمعية لضمان نزاهة التوزيع، إطلاق برنامج تدريب دوري للعاملين مع فرق طوارئ مدربة، وإقرار مشروع قانون إدارة مخاطر الكوارث.
تكمن أهمية الحلول المقترحة في تعزيز العدالة والكفاءة في توزيع المساعدات الإنسانية بقطاع غزة، مما يسهم في تلبية احتياجات السكان بشكل فعال وشفاف، ويعزز من قدرة الاستجابة السريعة ويساهم في استقرار المجتمع وتسريع التعافي بعد الحرب.
مقدمة:
تعتبر المساعدات الإنسانية في قطاع غزة عنصراً حيوياً للبقاء على قيد الحياة في ظل الأزمات المستمرة والصراعات المدمرة التي يشهدها القطاع. ومع تفاقم الوضع بعد حرب أكتوبر 2023، أصبحت المساعدات الإنسانية شريان الحياة لأكثر من ٢مليوني شخص، والذين يعانون من تدهور مستمر في البنية التحتية وفقدان معظم مقومات الحياة الأساسية.
رغم الدور المحوري الذي تلعبه المؤسسات الاهلية في توزيع المساعدات، فإن السياسات التي تُنظم هذه العمليات تفتقر إلى الكفاءة والعدالة اللازمة لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها.
تواجه عملية توزيع المساعدات الإنسانية تحديات كبيرة في قطاع غزة، تتراوح بين القيود اللوجستية والرقابية، وضعف التنسيق الفعال بين المؤسسات الفاعلة، ما يؤدي إلى إهدار الموارد وتكرار المساعدات بشكل عشوائي. بالإضافة إلى نهبها واستهدافها كما أن غياب الأنظمة التقنية الحديثة في إدارة المعلومات والمستفيدين يجعل من الصعب متابعة احتياجات المستفيدين بشكل دقيق، مما يساهم في تفشي المحسوبية والتوزيع غير العادل.
السياق العام:
كان قطاع غزة يعيش في ظروف إنسانية واقتصادية صعبة نتيجة حصار طويل الأمد فرضته إسرائيل منذ عام 2007، مما يشكل عقوبة جماعية لأكثر من 2 مليوني نسمة، وهذا انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة. هذا جعل القطاع واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم وأكثرها هشاشة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.
الاعتماد على المساعدات الإنسانية كان سمة بارزة لحياة سكان القطاع، حيث واجهت الأسر نقصًا في المياه النظيفة، وانقطاعاً متكرراً للكهرباء وفقًا لتقرير نشرته مؤسسة "Portland Trust" في مايو 2023، كان معدل توفر الكهرباء في القطاع يتراوح بين 8 إلى 12 ساعة يومياً فقط بسبب العجز في إمدادات الطاقة الناجم عن تدمير البنية التحتية للطاقة والقيود المفروضة على توريد الوقود، وتدهوراً في الخدمات الصحية والتعليمية. في ظل هذا الوضع، كانت فرص العمل محدودة للغاية، حيث بلغت نسبة البطالة معدلات كارثية، وفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغت حوالى 46% في الربع الثاني من عام 2023. خاصة بين الشباب والنساء وهذا عكس الانتهاكات المستمرة لحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية المكفولة بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
اندلعت حرب 2023 في سياق تصاعد التوترات السياسية والعسكرية في المنطقة. خلال هذه الحرب، عانى قطاع غزة من واحدة من أشد الهجمات التي تعرض لها منذ عقود. وأسفرت عن انتهاكات جسيمة لمبادئ التمييز والتناسب في القانون الدولي الإنساني بما في ذلك الهجمات العشوائية، واستهداف المناطق المدنية، والبنية التحتية الحيوية مثل المستشفيات والمدارس والملاجئ، وهي أعمال ترتقي إلى مستوى جرائم حرب وفقًا لتعريفات نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية.
كانت الحصيلة البشرية مروعة آلاف الشهداء والجرحى، الحرب لم تكن مجرد نزاع عسكري بل كانت إبادة جماعية وصراعاً غير متكافئ أدى إلى نزوح شبه شامل للسكان داخل القطاع، مما يقوض حق المدنيين في الحماية وينتهك المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر النقل القسري للسكان.
أدت القيود المستمرة على وصول المساعدات الإنسانية إلى شلل شبه كامل في جهود الإغاثة، حيث أعاقت وصول الإمدادات الحيوية مثل الغذاء والدواء، في خرق واضح لمبدأ الوصول الإنساني الآمن المنصوص عليه في القانون الدولي الإنساني.
وضع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة خلال حرب أكتوبر ٢٠٢٣:
يعد ملف المساعدات الإنسانية في المؤسسات الأهلية بقطاع غزة ذا أهمية خاصة في ظل الظروف الإنسانية الصعبة التي يمر بها السكان. وفقًا لتقارير من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، فإن حوالي 80% من السكان يعتمدون بشكل كبير على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم اليومية. قبل اندلاع الحرب كان متوسط تدفق المساعدات يصل الى ما بين 500 إلى 600 شاحنة يوميًا، ولكن مع بداية الحرب انخفض هذا الرقم بشكل كبير إلى 71 شاحنة يومياً مما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق.
في ظل الكارثة الإنسانية واستراتيجية "الأرض المحروقة"، تحوّلت المساعدات إلى شريان الحياة الوحيد لقطاع غزة، مما زاد من الضغط على منظومة الإغاثة، التي باتت غير قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية بشكل عادل وفعال.
واجهت المساعدات الإنسانية تحديات هائلة أبرزها: القيود المفروضة عليها، واغلاق المعابر، واستخدامها أداة تفاوضية وسياسية، تدهور القانون والنظام، وانعدام الأمن ونهبها من قبل قطاع الطرق. ما أدى ذلك الى تعطيل دخول الإمدادات والفرق الإنسانية، بالإضافة الى ذلك انهيار البنية التحتية ونقص الوقود مما أدى الى تفاقم معاناة النازحين الذين اضطروا للاعتماد الكامل على الإغاثة في ظل دمار شامل وأزمة إنسانية غير مسبوقة.
كما أن هذه التحديات تؤثر بشكل مباشر على المؤسسات المعنية، سواء كانت حكومية أو أهلية أو دولية، حيث يمكنها أن تحد من كفاءة استجابتها وتنسيق جهودها في مواجهة الأزمات المستمرة.
من المسؤول عن ملف المساعدات الإنسانية؟؟
يجدر الإشارة الى أن مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية تقع بشكل رئيسي على الجهات الحكومية مثل التنمية الاجتماعية في شطريها في غزة ورام الله. والتي كانت الجهة المسؤولة عن تنظيم وتوزيع المساعدات الإنسانية، إلى جانب ذلك، لعبت المنظمات الدولية مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وبرنامج الغذاء العالمي دورًا محوريًا في تقديم الدعم الإنساني.
محدودية دور المؤسسات الاهلية قبل 7 أكتوبر:
كان دور المؤسسات الأهلية في قطاع غزة قبل الحرب محدودًا للغاية. حيث كانت تعتمد على سياسات تنسيق محدودة مع الحكومة الفلسطينية والوكالات الدولية لتنظيم توزيع المساعدات الإنسانية. هذه السياسات كانت تقتصر بشكل كبير على دور متلقي المساعدات، حيث كانت المؤسسات الأهلية تعمل في إطار توجيهات الوزارة والمنظمات الدولية دون أن يكون لها دور فاعل أو مستقل في تحديد الأولويات أو استراتيجيات التوزيع.
دور المؤسسات الاهلية في ظل حرب أكتوبر 2023:
في ظل غياب خطط استجابة شاملة ومتكاملة لدى وزارة التنمية الاجتماعية لمجاراة الكارثة، والقيود اللوجستية والإدارية؛ أدى ذلك إلى محدودية دورها و قدرتها على تحقيق عدالة التوزيع، ما انعكس سلباً على فاعلية الإغاثة المقدمة.
بالتوازي مع ذلك، ظهر الدور المتنامي لـ المؤسسات الأهلية، التي اضطرت لتحمل مسؤوليات أكبر دون أن تكون مهيأة تمامًا لذلك. حيث سعت بعض المؤسسات للاستجابة الإنسانية بشكل سريع لمواكبة الكارثة، من خلال تحويل برامجها نحو التدخلات الطارئة، سواء من خلال شركائها المحليين أو عبر الجهات المانحة، بالرغم من ذلك كانت تفتقر إلى المعايير والسياسات المحدثة للتعامل مع متطلباتها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب خبرة سابقة في التعامل مع فلسفة المجتمعات النازحة أو مراكز الإيواء زاد من صعوبة الوضع، مما جعل عملية توزيع المساعدات عرضة لعدم العدالة والكفاءة.
دور لجان أدارة مراكز الايواء" اللجان المحلية :
تجدر الإشارة إلى أن المجتمع الغزي بأكمله مجتمعًا نازحًا، مما أدى إلى زيادة كبيرة في الاحتياجات الإنسانية في ظل التحديات المستمرة والنزوح المتكرر. وفي هذا السياق، ظهرت كيانات جديدة مثل لجان إدارة مراكز الإيواء، التي لم تكن موجودة قبل هذه الكارثة.
تلعب هذه اللجان دورًا أساسيًا في إدارة مراكز الإيواء وتنسيق توزيع المساعدات، لكنها تواجه تحديات كبيرة بسبب نقص التدريب والمعرفة الفنية لإدارة هذه الأنشطة على نطاق واسع. لذلك، يعد توفير التدريب المستمر وتنظيم هذه اللجان بما يضمن تكاملها مع المؤسسات الأهلية أمرًا بالغ الأهمية لتعزيز فعالية استجابة المجتمع. من خلال تبني سياسات تدعم دور اللجان وتعمل على تدريبها على التنسيق مع مختلف الجهات المعنية، يمكن تحسين نتائج التوزيع وضمان تلبية الاحتياجات الإنسانية بشكل أكثر فعالية.
سياسات توزيع المساعدات الانسانية في المؤسسات الأهلية خلال أوقات الطوارئ:
تُعد السياسات المؤسسية في توزيع المساعدات الإنسانية محورية لضمان استجابة فعّالة وعادلة للاحتياجات الإنسانية. حيث أكد دليل منع الفساد في المساعدات الإنسانية ،الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) . 2020. على مجموعة من المبادئ التوجيهية التي من الضرورة أن تراعي خلال تقديم المساعدات الإنسانية في أوقات الطوارئ نذكر منها :
أن سياسات توزيع المساعدات الإنسانية في المؤسسات الأهلية لم تكن فعالة في تلبية احتياجات سكان قطاع غزة بشكل عادل وفعّال، فقد شابتها اختلالات جمة عملت على تعويض من كفاءة المساعدات الإنسانية وعدالتها في ظل الكارثة الإنسانية. يشمل ذلك غياب سياسة طوارئ لإدارة الأزمات وقلة الموارد، ضعف التنسيق الفعّال بين المؤسسات العاملة في المجال الاغاثي، وتوزيع المساعدات بشكل غير عادل بين الفئات المختلفة، إضافة إلى غياب الشفافية والمساءلة. هذا الوضع يؤدي إلى عدم فعالية توزيع المساعدات الإنسانية، ويحد من قدرة المؤسسات الأهلية على تلبية احتياجات السكان المتضررين، خاصة في ظل النزوح المتكرر.
سنقوم فيما يلي بربط كل مشكلة أساسية في سياسات توزيع المساعدات الإنسانية في المؤسسات الأهلية خلال حرب أكتوبر 2023 بالسبب الذي أدى إلى حدوثها، بهدف تقديم مقترحات عملية لتحسين هذه السياسات بما يحقق العدالة والكفاءة في توزيع المساعدات الإنسانية:
واجهت المؤسسات الأهلية في غزة تحديات كبيرة في تطبيق استجابة فعالة للكارثة الغير مسبوقة نتيجة غياب سياسة طوارئ شاملة وواضحة لإدارة الأزمات. مع اندلاع الحرب، كانت السياسات المعتمدة للاستجابة الطارئة غير مفصلة بما فيه الكفاية لمواجهة الأزمة الكبرى، مما أدى إلى استجابات عشوائية وغير منسقة بين المؤسسات الأهلية، مما فاقم الوضع الكارثي.
في غياب سياسة شاملة، كانت استجابة المؤسسات تتسم بالارتجال، حيث لم توجد خطة استراتيجية واضحة تضمن توزيع المساعدات بشكل عادل وفعال بين المناطق المتضررة.
إضافة إلى ذلك، كان غياب سياسة لتخزين الموارد الأساسية والإمدادات الطارئة سببًا رئيسيًا في ضعف الاستعداد لمواجهة الأزمة. تسببت هذه الفجوة في استجابة المؤسسات بشكل ضعيف، حيث اعتمدت بشكل رئيسي على المساعدات الطارئة غير المخططة. في حالات مثل هذه، يكون التخزين المسبق للموارد ضروريًا لضمان استجابة سريعة وفعالة، وهو ما لم يتوفر في ظل الأزمة الراهنة.
الأوضاع الأمنية والإنسانية المعقدة التي فرضتها الحرب كانت أحد العوامل الأساسية التي صعبت من تطبيق السياسات والإجراءات المنوطة بالمؤسسات الأهلية. الهجمات الجوية المستمرة والدمار الواسع في البنية التحتية أديا إلى تقييد الوصول إلى المناطق المتضررة، ما أخر تقديم المساعدات في وقتها المناسب. كما استُهدفت مراكز تخزين المساعدات الإنسانية بشكل مباشر، مما زاد من تعقيد الوضع وعمق حالة التشتت في استجابة المؤسسات.
وفقًا لما ذكره مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أمجد الشوا، فقد نزح نحو 95% من سكان غزة بسبب تصعيد العدوان الإسرائيلي، وهو ما يعكس حجم التحديات التي واجهتها المؤسسات الأهلية في تقديم المساعدات في وقتها المناسب. يعكس هذا التحدي ضرورة وجود استجابة موحدة ومدروسة تتسم بالتنسيق بين مختلف الجهات لتقديم المساعدات بشكل عادل ومؤثر.
على الرغم من التحديات الهائلة، بذلت المؤسسات الأهلية جهودًا كبيرة للتعامل مع الوضع الإنساني، رغم الصعوبات. على سبيل المثال، قامت بتوزيع المساعدات الطارئة (مثل الغذاء، المياه، الأدوية) بشكل عاجل وعلى نطاق واسع بمجرد وصول المساعدات الدولية أو التنسيق مع الوكالات الإنسانية. لكن في هذا السياق، كان هناك تأخير في التنفيذ بسبب صعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة بسبب الأوضاع الأمنية والدمار في البنية التحتية.
بما أن التخزين المسبق للموارد لم يكن متاحًا بشكل كافٍ، اتجهت بعض المؤسسات الأهلية لاستخدام تقنيات الدفع النقدي مباشرة للأسر المتضررة. هذا سمح للأسر بالوصول إلى المساعدات بشكل أسرع وبمرونة أكبر، مما خفف من وطأة غياب التخزين المسبق. لتعويض النقص في الموارد المحلية، كانت المؤسسات الأهلية تتعاون مع منظمات الأمم المتحدة (مثل برنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية) ومنظمات دولية أخرى. هذا التعاون ساعد في تزويد المستشفيات والمناطق المتضررة بالإمدادات الضرورية.
على الرغم من هذه الإجراءات التي اتخذتها المؤسسات الأهلية، إلا أن غياب السياسات الشاملة كان ولا يزال يشكل عقبة رئيسية في قدرتها على الاستجابة بشكل فاعل ومنظم. وبحسب تقارير المنظمة الدولية للهجرة (IOM) وصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، فقد استمر الوضع الإنساني في غزة في التدهور مع التصعيد المستمر، حيث كانت الاستجابات الطارئة غالبًا ما تفتقر إلى التنسيق والاستدامة، مما يزيد من معاناة السكان.
الحل المقترح :
تطوير خطة استجابة طوارئ متكاملة بين المؤسسات العاملة في الحقل الاغاثي على مستوى القطاع.
وجود خطة استراتيجية لإدارة الأزمات تشمل تحديد الأولويات والاحتياجات الفورية حسب طبيعة الكارثة. و تحديد الأدوار والمسؤوليات بوضوح، وتحديد إجراءات تشغيل موحدة (SOPs) للاستجابة الفورية؛ سيضمن التنسيق بين المؤسسات الأهلية والجهات الحكومية والدولية لتجنب التداخل والازدواجية. إلزامية الخطط الطارئة للمؤسسات يعزز الاستعداد المسبق، بدلاً من الاستجابات العشوائية.
يوفر إطارًا ممنهج لتنظيم التخزين والإمدادات الطارئة، من خلال مخازن لامركزية محمية، حيث يتم إنشاء مخازن صغيرة في كل منطقة سكنية أو مركز محلي وتأمنيها ضد السرقة لضمان سرعة الوصول إلى الإمدادات الأساسية في حال كان هناك قيود مفروضة للوصول إلى بعض المناطق، وتأمينها في مواقع لا يمكن استهدافها بسهولة وفقًا للاتفاقيات الدولية لحماية المدنيين. و إدارته بفعالية باستخدام التكنولوجيا؛ لتتبع الموارد وتوزيعها عند الحاجة بشكل منظم. هذا سوف يجنب المؤسسات العاملة في الحقل الاغاثي الحرمان والتكرار، سيضمن التخطيط المسبق توزيعًا عادلاً ومبنيًا على بيانات موثوقة. وزيادة سرعة الاستجابة حيث تكون الموارد جاهزة للوصول إلى المتضررين مباشرة.
ضعف سياسة التنسيق بين المؤسسات الأهلية فيما بينها والجهات الفاعلة يحدّ من كفاءة توزيع المساعدات الإنسانية، ويؤدي إلى ازدواجية في الجهود خلال حرب أكتوبر 2023 في قطاع غزة، وهذا ما أشار إليه مكتب المساعدات الإنسانية USAID/BHA وفريق النتائج الإنسانية (2023) في تقريرهم حول إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية: أن العديد من الأسر يعانون من مشكلات متعلقة بتوزيع المساعدات، حيث استفادت بعض الأسر من مساعدات متعددة في وقت واحد بينما كانت أسر أخرى محرومة من أي دعم . هذه الفجوة أظهرت ضعف التنسيق بين المؤسسات العاملة في الحقل الاغاثي، مما يعزز الازدواجية ويقلل من فعالية الاستجابة الإنسانية.
غياب آليات موحدة أو سياسات تنسيق موحدة كان يعرقل هذه الجهود. على سبيل المثال، كان التنسيق في بعض الحالات مقيدًا من غياب آليات فعّالة لجمع البيانات المشتركة أو تحديد المناطق الأكثر احتياجًا. المؤسسات كانت تعمل بمعزل عن بعضها البعض، حيث اعتمد البعض على أنظمة خاصة بها لتسجيل البيانات وتوزيع المساعدات، ما أدى إلى نقص التنسيق بين هذه الأنظمة.
لا سيما في ظل تدمير البنية التحتية وصعوبة الوصول إلى بعض المواقع، أدى ذلك إلى صعوبة تبادل المعلومات، بالتالي تكرار الجهود وازدواجية في توزيع المساعدات.
غياب سياسة تنسيق واضحة يعني أن المؤسسات كانت تعتمد على تقديرات فردية لتوزيع المساعدات، مما أدى إلى تفاوت في الوصول إلى الفئات المستهدفة. كان من الممكن أن تساعد سياسة التنسيق الموحدة في تحديد الأولويات وتوجيه المساعدات إلى المناطق التي تحتاجها أكثر.
في ظل الحرب والصعوبات الأمنية، كانت المؤسسات تواجه تحديات لوجستية كبيرة في الوصول إلى المناطق المتضررة. ضعف التنسيق بين المؤسسات الأهلية والجهات الحكومية والمنظمات الدولية زاد من هذه التحديات، مما أثر على تحديد الأولويات وتوجيه المساعدات إلى المناطق الأكثر تضرراً. عملت بعض المنظمات الأهلية تحسين التنسيق الداخلي من خلال إنشاء آليات تنسيق داخلية لتحسين التعاون وتبادل المعلومات، مثل الاجتماعات الدورية التي نظمتها شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية مع المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة.
لكن المشكلة الأساسية تكمن في عدم وجود سياسة تنسيق وطنية موحدة. إن غياب هذه السياسة قد أسهم بشكل كبير في تكرار الجهود أو إغفال بعض الفئات المحتاجة.
حسب دراسة صادرة عن الائتلاف من أجل النزاهة والشفافية أمان فإن تتعـدد الجهات التي تعمل في تقديم المساعدات الإنسانية، ومن أبرزها القطاع الحكومي، والمؤسسات الأهلية، والمبادرات الفردية، ساهم في ضعف الرقابة، مع عدم وجود سياسـة عامـة ملزمـة تحدد وسـيلة لتنسـيق الجهود بين المؤسسات بشـكل عادل. وهذا ما دعت إليه شبكات المنظمات الأهلية وطلبت بتعزيز آليات التنسيق ووضع سياسة وطنية موحدة.
الحل المقترح : إنشاء سياسة تنسيق وطنية موحدة
وذلك من خلال منصة بيانات رقمية مركزية مشتركة بين جميع المؤسسات الإنسانية لتسجيل المستفيدين وتحديث بياناتهم. وتشكيل لجنة تنسيق وطنية بدور إشرافي ورقابي تضم ممثلين عن المؤسسات الأهلية، والحكومة، والمنظمات الدولية لمراجعة الخطط وتجنب التداخل في توزيع المساعدات. إقامة تحالفات بين المؤسسات الأهلية لتعزيز التعاون بدل التنافس على الموارد المحدودة، يتم ذلك من خلال تشكيل شراكات وتحالفات، حيث تعمل المؤسسات معًا لتحقيق أهداف مشتركة، مما يزيد من فعاليتها وتأثيرها. التعاون يساعد على توزيع أفضل للموارد المحدودة، مشاركة الخبرات، وتقديم خدمات متكاملة للفئات المستهدفة.
لضمان الشفافية، يجب أن تنشر المؤسسات تقارير مفصلة حول كيفية توزيع المساعدات، مع تحديد المعايير المستخدمة وآليات الرقابة المعتمدة. في الواقع، غياب هذه التقارير أدى إلى إعاقة الرقابة المجتمعية وفقدان الثقة في عملية التوزيع.
هذا ما أكد عليه وائل بعلوشة مدير مكتب ائتلاف أمان في قطاع غزة قبل الحرب، قال إن الائتلاف ينادي دائما بضرورة الإفصاح عن المعلومات، وأن يكون هناك شفافية وإخضاع المؤسسات التي تقدم المساعدات الإنسانية للمساءلة وتحريها لكل قيم النزاهة. غياب مثل هذه السياسة في غزة أدى إلى ضعف الشفافية وانتشار شبهات فساد، مما أثر على مصداقية العمل الإنساني.
واجهت المؤسسات الأهلية في قطاع غزة صعوبة في تطبيق سياسة الشفافية في توزيع المساعدات الإنسانية. مما فتح المجال أمام الانحياز الشخصي والمحسوبية. يتطلب ضمان الشفافية الإفصاح الكامل عن معلومات جمع وتوزيع المساعدات، بما في ذلك المعايير المتبعة وآليات الرقابة المجتمعية. ومع ذلك، تبين أن هذه السياسة لم تنفذ بشكل فعال في ظل الكارثة، وتبرر المؤسسات تجاوزها لهذه المعايير بحجة حجم الكارثة الغير مسبوقة. وعدم وجود آليات رقابة داخلية وخارجية. ما أدى إلى تراجع الثقة بين المستفيدين والمؤسسات المانحة، وهو ما أثر بشكل مباشر على فعالية العملية الإغاثية وكفاءتها.
هذا ما عبر عنه أحد النازحين في مخيمات النزوح، أن بعض المؤسسات المعنية بتوزيع المساعدات لا تلتزم بالإعلان المسبق عن المعايير المحددة للحصول على المساعدات، كما أنها لا تتيح للمستحقين الذين تنطبق عليهم هذه الشروط فرصة تسجيل أسمائهم. وأشار الشاهد إلى أن العديد من المؤسسات تقوم بتوزيع المساعدات في الخفاء أو خلال ساعات الليل لتجنب الاحتجاجات من الفئات المحرومة.
الحل المقترح : تطوير سياسة للإفصاح عن المعايير وآليات توحيد البيانات ومراجعة تقارير التوزيع بانتظام
وذلك من خلال نظام إلكتروني موحد لبيانات المستفيدين والمساعدات الانسانية بإشراف جسم مستقل حيث يتم من خلالها الإعلان المسبق عن معايير توزيع المساعدات مع تحديد الفئات المستهدفة وآليات التسجيل. تحتوي على معلومات تفصيلية حول:
وفي هذا السياق، أشار مدير عمليات الوسطى في مؤسسة المنتدى الاجتماعي التنموي ناجي ناجي إلى أن تطبيق النظام الإلكتروني لإدارة بيانات المستفيدين قد حسّن من سرعة تسجيل المستفيدين وتقليل الأخطاء في تحديد الأولويات وتوزيع المساعدات. كما ساهم في الحد من الفساد والتلاعب من خلال تقديم بيانات دقيقة وشفافة. وأوضح أن النظام أتاح إشراك لجان إدارة مراكز الإيواء في التسجيل والإشراف على توزيع المساعدات بعدالة وكفاءة.
من جهته، أضاف مدير المشروع ولاء كراجه أن الهدف من تطبيق النظام هو ضمان دقة البيانات وتقليل الأخطاء البشرية، حيث يتم تسجيل المستفيدين في قاعدة بيانات موحدة تشمل تفاصيلهم واحتياجاتهم. كما يوفر النظام تقارير تحليلية دورية لمراقبة سير التوزيع وضمان التزامه بالمعايير الموضوعية مثل الفقر والإعاقة. وأشار بالرغم من التحدي الذي واجهته المؤسسة في البداية بسبب مشاكل الإنترنت، تم التغلب عليه جزئيًا عبر تحسين الأجهزة. ويتطلع المسؤولون إلى توسيع استخدام النظام في مناطق أخرى وزيادة عدد المستفيدين في المستقبل.
بناءً على هذه التجربة الناجحة، يُوصى بدمج هذه الحلول الإلكترونية ضمن السياسات المتبعة في المؤسسات لتعزيز الشفافية وتحقيق عدالة أكبر في توزيع المساعدات.
تستند سياسة العدالة في توزيع المساعدات إلى ضرورة تحديد المستفيدين بناءً على مستوى احتياجاتهم الإنسانية والفعلية، مع التركيز على الفئات الأكثر ضعفًا مثل الأطفال، النساء، كبار السن، والأشخاص ذوي الإعاقة. رغم الأهمية البالغة لهذه السياسة، إلا أن الأولويات بحرب أكتوبر ٢٠٢٣ في بعض الحالات كانت غير واضحة و تأثرت بالضغوط المحلية أو السياسية. في بعض المناطق، لم يحصل الأفراد الأكثر ضعفًا على الدعم المناسب، مما أدى إلى اختلال التوازن في توزيع المساعدات وشعور بالإجحاف لدى بعض الفئات.
حيث أوضح وائل بعلوشة في حديث صحفي قبل الحرب بأن أبرز الإشكاليات التي يشكو منها المواطنون هي موضوع "الواسطة والمحسوبية والمحاباة" وهذا ناتج عن قيام كل فصيل سياسي بالاهتمام بـ "جماعته" وكل مؤسسة أهلية لها أيضا "جماعتها"، وكل قطاع يقدم مساعدات للجهة التي يهتم بها، حيث أن مجتمع قطاع غزة يعتمد على الجهوية “الأقارب”. ومع تفاقم الكارثة بعد الحرب، أصبح هذا الأمر أكثر وضوحًا وتأثيرًا، حيث زادت بشكل كبير في ظل تدهور الوضع الإنساني.
وقد عبرت إحدى النازحات في مخيمات النزوح عن استيائها من آليات توزيع المساعدات، مشيرة إلى أنها غير واضحة ولا تتسم بالعدالة. وأكدت أن بعض العائلات تحصل على مساعدات متعددة بسبب ارتباطها بفصيل معين أو وجود أفراد من أفرادها يعملون في مؤسسات خيرية، في حين أن العديد من المحتاجين يُحرَمون من تلك المساعدات.
ويتطلب التوزيع العادل للمساعدات الإنسانية الالتزام بمجموعة من المبادئ التوجيهية التي يجب أن تراعيها المؤسسات العاملة في المجال الإغاثي لضمان الإنصاف والكفاءة في تلبية احتياجات السكان المتضررين، نذكر منها مايلي :
وهذا الذي أشاحت عنه المؤسسات العاملة في المجال الاغاثي في ظل الكارثة الإنسانية؛ لجملة من الأسباب التي تمت الإشارة إليها سابقاً، وذلك عمل على تقويض عدالة المساعدات. مما أدى تفاقم الوضع الإنساني.
الحل المقترح : تبني سياسة توزيع قائمة على الاحتياجات المحسوبة
ويتم ذلك من خلال استخدام أدوات تقييم معتمدة دوليًا مثل تقييمات منظمة Sphere، مع دمج أدوات محلية لتناسب سياق غزة . تحديد معايير واضحة للضعف استنادًا إلى بيانات محلية، تشمل الرعاية الصحية، السكن، والظروف الاقتصادية. إعطاء الأولوية للفئات الضعيفة مثل النساء، الأطفال، وذوي الإعاقة ،الأسر الأكثر تضرراً، الأسر الكبيرة، الأسر التي تعيلها النساء، وضمان وصولهم للخدمات الأساسية.
تعد المساءلة و الرقابة جزءًا أساسيًا من أي عملية توزيع مساعدات لضمان نزاهتها وشفافيتها. تشمل هذه السياسات مراقبة الأنشطة من خلال لجان محلية ودولية مختصة، فضلاً عن توفير قنوات موثوقة لتقديم الشكاوى والبلاغات من قبل المستفيدين. إلا تعدد المؤسسات العاملة في الحقل الاغاثي و صعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة، ورفض الإفصاح عن قوائمها ومصادر تمويلها وحجم المساعدات الواصلة لها في ظل الكارثة، أدت إلى ضعف الرقابة وغياب المساءلة.
ذكر مدير عام ديوان الرقابة المالية والإدارية في غزة أشرف أبو موسى قبل الحرب، أنهم طالبوا الوزارات المعنية والمتمثلة بوزارات الشؤون الاجتماعية والصحة والداخلية بأن يكون لهم دور فاعل في الرقابة على المؤسسات العاملة في توزيع المساعدات الإنسانية خصوصاً في ظل تكرارها لأشخاص وتجاهل آخرين، وأصبحت هذه المطالب أكثر إلحاحًا في ظل ظروف الحرب الحالية التي فاقمت الأوضاع الإنسانية، مما جعل الرقابة أكثر ضرورة من أي وقت مضى لضمان وصول المساعدات للأشخاص الأكثر احتياجاً.
ووفقًا لوزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية، تم رصد تجاوزات من بعض المؤسسات في إدارة وتوزيع المساعدات المخصصة لقطاع غزة، مما أدى إلى نقص كبير في كميات المساعدات المُرسلة، بالإضافة .
غياب آليات واضحة لمراقبة الأداء ومساءلة العاملين في توزيع المساعدات أسهم في تقويض نزاهة العمليات الإنسانية، وعزز شعور عام بعدم الثقة في المؤسسات القائمة.
بالإضافة الى ذلك. انعدام آليات فعالة لتقييم الأثر، بعض المؤسسات الاهلية تعاني من نقص في الأدوات والإجراءات اللازمة لتقييم أثر المساعدات المقدمة. تركز الجهود غالبًا على إيصال الإمدادات بدلاً من قياس مدى تحقيق الأهداف الإنسانية المرجوة.
الحل المقترح : إنشاء آلية رقابة مجتمعية مستقلة تتضمن:
إشراك لجان ادارة مراكز الايواء في عملية التوزيع.
يشمل ذلك تضمين الأشخاص النازحون في مراكز الايواء والنزوح في عمليات اتخاذ القرار. يكون ذلك عبر تعيين ممثلين من هذه اللجان التي تشرف على توزيع المساعدات بالتعاون مع المؤسسات.
الهدف من هذا هو ضمان أن هذه اللجان تعكس احتياجات المجتمع المحلي، وأن الأشخاص الأكثر تأثراً بهذه الكارثة لديهم صوت في كيفية توزيع المساعدات والمصادر المتاحة. كما يُمكّن النازحون من مراقبة وتقييم الخدمات التي يتلقونها، مما يعزز المساءلة في العمل الإنساني.
وحدة التدقيق الداخلي: تراقب العمليات داخل المنظمة، بما في ذلك الموارد المالية وتوزيع المساعدات وتقييم فعالية المشاريع.
التدقيق الخارجي: إشراك هيئات مستقلة لتقييم العمليات وضمان النزاهة.
آليات المتابعة الميدانية: تشمل زيارات دورية لمواقع النزوح لجمع بيانات من النازحين حول مدى تلبيّة احتياجاتهم.
تقارير دورية: تُعدّ لتقييم فعالية العمليات وتعزيز المساءلة من خلال توفير مرجعية للمؤسسات المعنية.
إن ضعف استجابة العاملين في مجال الإغاثة في قطاع غزة يعكس غياب سياسة مستدامة لبناء القدرات وتطوير مهارات العاملين في الميدان. من أبرز التحديات التي واجهتها المؤسسات الأهلية خلال فترة الحرب كان نقص التدريب والموارد البشرية بسبب ظروف الحرب وضغط العمل. هذا النقص أثر بشكل كبير على قدرة الفرق الميدانية في التعامل مع الأعداد الكبيرة من النازحين وضغوط العمل الغير اعتيادية. فعلى الرغم من الجهود المبذولة، لم يكن هناك تدريب كافٍ على أساليب توزيع المساعدات بطريقة عادلة وفعالة، مما أثر على الجودة والإجراءات المتبعة في تقديم الدعم.
النتيجة المباشرة لهذا النقص في التدريب والموارد كانت تقليص فعالية الاستجابة الإنسانية. فقد أدى ذلك إلى نقص في التنسيق بين الفرق الميدانية، ما أثر على التوزيع العادل للمساعدات وأدى إلى تأخير أو حتى تكرار بعض الإجراءات. في بعض الحالات، كان هناك خلل في فهم القوانين واللوائح المتعلقة بالمساعدات الإنسانية، مما أثر على مصداقية العمل الإغاثي.
الحل المقترح : إطلاق برنامج تدريب دورية شامل للعاملين في الإغاثة مع تشكيل فرق طوارئ مدربة
يتمثل في إنشاء برنامج تدريب مستدام ودوري لجميع العاملين في مجال الإغاثة، مع التركيز على تقنيات توزيع المساعدات، إدارة الأزمات، وتطبيق القانون الإنساني الدولي. يتم أيضًا تشكيل فرق طوارئ مدربة مسبقًا لتكون جاهزة للعمل في الحالات الحرجة التي تتطلب استجابة فورية.
المكونات الأساسية للبرنامج:
في ظل ما تم مناقشته خلال هذه الورقة ، توصلنا إلى أن الخلل في توزيع المساعدات الإنسانية بشكل فعال وعادل يعود إلى عدة عوامل مترابطة، بما في ذلك غياب سياسات فعالة للاستجابة الطارئة، بيئة الحرب المعقدة، وضغط الأعداد الكبيرة من النازحين، والتحديات اللوجستية والسياسية والتقنية، وتدمير البنية التحتية. هذا الوضع جعل من الصعب تنفيذ سياسات توزيع المساعدات بما يضمن كفاءتها وعدالتها، مما أدى إلى ضعف التنسيق، الأخطاء الميدانية، غياب الشفافية، وعدم وجود آليات فعالة للمساءلة. هذه التحديات الهيكلية تُضعف القدرة على تحقيق استجابة إنسانية عادلة وفعالة. لذلك نوصى بتحسين هذه السياسات من خلال ما أشير إليه سابقاً؛ الطريق الأمثل إلى تحسين كفاءة توزيع المساعدات الإنسانية وعدالتها.
التوصيات:
ختامًا، إن تبني السياسات البديلة والابتكارات الضرورية لتحسين كفاءة توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة لا يُعد خيارًا بل ضرورة حتمية. فالمرحلة الحالية تتطلب تحولًا جذريًا يعزز العدالة ويعكس الشفافية في جميع جوانب العمل الإنساني. من خلال تبني هذه الإصلاحات، سنتمكن من بناء منظومة إنسانية أكثر فاعلية تضمن حقوق النازحين وتعيد لهم الأمل في المستقبل، مما يعزز ثقة المجتمع في المؤسسات الإنسانية ويضمن لها الاستدامة والنجاح في مواجهة التحديات القادمة.
محامية وناشطة حقوقية ومجتمعية، أعمل مع مؤسسات المجتمع المدني لتعزيز العدالة الاجتماعية وتمكين الأفراد. شغوفة بالعلاقات الدولية والعلوم السياسية، وأركز على القضايا الإنسانية وحقوق الإنسان.