منذ السابع من أكتوبر من العام2023، يشهد قطاع غزة هجمات عسكرية غير مسبوقة من جيش الاحتلال الاسرائيلي براً وبحراً وجواً، جاء ذلك بعدما اجتاز عددٌ من مسلحي حماس السياج الفاصل بين قطاع غزة ودولة الاحتلال الاسرائيلي، هجمات جيش الاحتلال الاسرائيلي الغير متناسبة أوقعت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين بالإضافة لتدمير واسع في البنية التحتية لقطاع غزة، ولعل من أكثر القطاعات التي تضررت بسبب هجمات الاحتلال الاسرائيلي كان ولا يزال مجتمع ذوي الاعاقة.
احصاءات ما قبل الإبادة كبيرة، والاحتلال المسئول الأول.
قبل حرب الإبادة على قطاع غزة، تشير الاحصاءات إلى أن مجتمع ذوي الاعاقة شكل ما نسبته (2.1%) من عموم سكان دولة فلسطين، ما يبلغ معه عدد السكان من ذوي الاعاقة (115) ألف فرد، بواقع حوالي (59) ألف فرداً من سكان الضفة الغربية، يشكلون ما نسبته (1.8%) من اجمالي سكان الضفة ونحو (58) ألف فردا من سكان قطاع غزة، يشكلون ما نسبته (2.6%) من اجمالي سكان قطاع غزة، في حين شكلت نسبة الإعاقة بين البالغين (18) سنة فأكثر ما نسبته (3%)، بواقع (2.6%) في الضفة الغربية و(3.9%) في قطاع غزة، حيث يتباين انتشار الإعاقة بشكل كبير حسب المحافظات، ففي محافظة شمال غزة سجل المركز أعلى نسبة انتشار لإعاقة وبلغت حوالي (5%)، يتبعها محافظة دير البلح (4.1%)
ونتيجة لأن قطاع غزة يتعرض بشكل مستمر للهجمات العسكرية، ونظراً لأن هجمات جيش الاحتلال الاسرائيلي العسكرية لا تلتزم بأدنى معايير القانون الدولي الانساني، فإن مجتمع ذوي الاعاقة في ازدياد متسارع، فمنذ (عام 2007 حتى عام 2017) تضاعف عدد الأفراد ذوي الإعاقة في قطاع غزة من أصل (24,608) فرداً ليصل إلى(48,140) فرداً. وبلغ عدد الأفراد ذوي الإعاقة المسجلين (55,538) فردًا، حيث شكلت الإعاقة الحركية (47% منها)، وكانت الإجراءات الإسرائيلية والحرب في قطاع غزة آنذاك سببًا في الإعاقات الحركية لحوالي(2000) فردًا بالغًا مشكّلة ما نسبته (9%) من الأفراد البالغين من ذوي الإعاقة الحركية، ولحوالي (3%) من الأطفال دون
الثامنة عشر من ذوي الإعاقة، ومن الجدير ذكره أن الأسباب المرتبطة بالإجراءات الإسرائيلية والحروب كانت السبب في احداث إعاقة واحدة على الأقل لحوالي (6%) من الأفراد 18 سنة فأكثر.
مجتمعُ ذوي الاعاقة بازدياد متسارع.
وتباعاً لما سبق وليس منفصلاً عنه، كان لحرب الابادة الجارية على قطاع غزة شديد الأثر على مجتمع ذوي الاعاقة، فقد اتسمت هجمات الاحتلال الاسرائيلي على مدار الإبادة الجماعية الجارية بانتهاك القانون الدولي، أدت هذه الانتهاكات إلى نزوح ما يقرب (1.9) مليون شخص عن أماكن سكناهم، وواحدة من الانتهاكات المتعمدة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في حق المدنيين في قطاع غزة هي استهدافهم للأشخاص ذوي الإعاقة، واستخدامهم للأسلحة المحرمة دوليًا التي تؤدي إلى زيادة حالات الأشخاص المصابين بإعاقات مختلفة، هذه التحديات التي يعايشها الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة، والتي تعد ساحة معركة مستمرة واقعة تحت الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 16 عامًا قضية مزمنة، وبحسب ما قدرته الأمم المتحدة في فإن أكثر من (15٪) من النازحين داخليًا في قطاع غزة يعانون من إعاقة ما بين مؤقتة ودائمة، نتيجة لفشل إسرائيل والأمم المتحدة في الالتزام بقرارات الأمم المتحدة لحماية حقوق الأشخاص المدنيين من ذوي في حالات النزاعات المسلحة والحروب.
وبحسب التقديرات الحقوقية والحكومية تم رصد ما يقارب (20) إلى (30) ألف شخص إضافي تم تصنيفهم من ذوي الإعاقة جراء الحرب المستمرة على قطاع غزة، منهم أكثر من خمسة آلاف شخص صنفت إعاقاتهم على أنها دائمة، والباقي إعاقات مؤقتة يحتاجون إلى رعاية خاصة وتدخلات طبية ونفسية عاجلة للحفاظ على ما تبقى من سلامتهم، ومن جهتها أكدت مؤسسات خاصة بذوي الإعاقة أن حرب الإبادة المستمرة على غزة وعدم وجود أي من مقومات الحياة الطبيعية التي يجب أن تتوفر للأشخاص ذوي الإعاقة أدت إلى عرقلة عملهم وتعاونهم مع المؤسسات الدولية التي تعمل على حماية وتأهيل ذوي الإعاقة، إضافة للقيود الصارمة المفروضة على إجلاء المرضى والدخول المحدود للأجهزة المساعدة مثل الكراسي المتحركة، والعكازات، والمعينات السمعية، والنقص الحاد في المواد الطبية والمستهلكات الأساسية، لا سيما في ظل وجود الآلاف من الأطفال والنساء بينهم.
أما مأساة الأطفال من هذا المجتمع فلها طابع خاص، فقد تم تسجيل حالات بتر سيقان لأكثر من ألف طفل في قطاع غزة، موضحًا أن تلك العملية كانت تتم لساق واحد أو لكلتا الساقين، وعزا ارتفاع أعداد حالات البتر بين المصابين إلى استخدام قوات الاحتلال أنواعاً جديدة من الأسلحة، إضافة إلى أن تدفق أعداد كبيرة من المصابين يومياً إلى المستشفيات ضاعف من احتمالات حدوث إعاقات دائمة للجرحى بسبب نقص المعدات الطبية الخاصة بالتعامل مع تلك الإصابات، كما أثر تأخر نقل بعض الجرحى إلى المستشفيات بمضاعفة أوضاعهم الصحية وصعوبة تعامل الطواقم الطبية معهم.
الواقع المظلم والأرقام القاتمة أضفت بظلالها على أسر ذوي الاعاقة أيضاً، فبحلول شهر مايو/أيار 2024، أفادت تقارير الأونروا أن أكثر من أسرة واحدة من كل خمس أسر في غزة يوجد بها فرد واحد على الأقل أصبح من ذوي الإعاقة، مع تحديد (58) ألف شخص من ذوي الإعاقة في قاعدة البيانات الرسمية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
المنشآت الصحية الخاصة بذوي الاعاقة لم تكن بمعزل عن حرب الإبادة، فوفقاً لتقارير حقوقية متخصصة تبيّن تعمّد قوات الاحتلال خلال الحرب المستمرة على القطاع استهداف أعداد كبيرة من المرافق الصحية والإنسانية التي كانت مختصة بتقديم خدمات طبية وتأهيلية لذوي الإعاقة، فقد دمّرت آليات الجيش الإسرائيلي ما يقارب (10) مرافق طبية وتأهيلية لذوي الإعاقة من بينها مستشفى الشيخ حمد للتأهيل والأطراف الصناعية، ومستشفى الوفاء للتأهيل الطبي، ومركز الأدوات المساعدة التابع للإغاثة الطبية، ومقر الاتحاد الفلسطيني العام للأشخاص ذوي الإعاقة في محافظة شمال غزة، ومدينة الأمل لبناء القدرات التابع للهلال الأحمر في غزة، كما ألحقت بعدد كبير من الجمعيات الخاصة بتأهيل المعاقين، واستراحة الشاطئ الموائمة للأشخاص ذوي الإعاقة أضرار فادحة جعلها بحاجة للإعمار الكلي لمباشرة عملها[2].
ما يحدث وفقاً للقانون الدولي الانساني جريمة حرب.
كان ولا زال مجتمع ذوي الاعاقة يلقى اهتماماً خاصاً من المجتمع الدولي الذي يسعى لحمايته خصوصاً أثناء النزاعات المسلحة، الأمر الذي تم تدشينه باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة، وأن الغرض من هذه الاتفاقية هو تعزيز وحماية وكفالة تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة تمتعا كاملا على قدم المساواة مع الآخرين بجميع حقوق الإنسان
والحريات الأساسية، وتعزيز احترام كرامتهم المتأصلة، ويشمل مصطلح ”الأشخاص ذوي الإعاقة“ كل من يعانون من عاهات طويلة الأجل بدنية أو عقلية أو ذهنية أو حسّيَة، قد تمنعهم لدى التعامل مع مختلف الحواجز من المشاركة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين.
أما أثناء النزاعات المسلحة، فقد نصت المادة (11) من الاتفاقية على أنه" تتعهد الدول الأطراف وفقا لمسؤولياتها الواردة في القانون الدولي، بما فيها القانون الإنساني الدولي وكذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان، باتخاذ كافة التدابير الممكنة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يوجدون في حالات تتسم بالخطورة، بما في ذلك حالات النـزاع المسلح والطوارئ الإنسانية والكوارث الطبيعية"، إلا أن جيش الاحتلال ومن خلال ممارسته على الأرض نقض هذا التعهد بل وامتهنه.
وهذا ما أكد عليه المحامي والناشط الحقوقي في مركز الميزان لحقوق الإنسان/ يحيى محارب خلال حديثه للمرصد الفلسطيني للنزوح الداخلي، فقد سلط الضوء على العديد من الانتهاكات الجسيمة المتعمد ارتكابها من قبل الاحتلال بحق ذوي الإعاقة في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن عدد الأشخاص من ذوي الإعاقة قبل حرب الإبادة على غزة كان يقارب (58) ألف فرد حسب ما سجله مركز الإحصاء الفلسطيني، أي ما يشكل (2.6%) من اجمالي سكان قطاع غزة، وتضاعفت تلك الأعداد بسبب الانتهاكات المركبَة التي تمارسها سلطات الاحتلال على المدنيين من سكان قطاع غزة بما فيهم ذوي الإعاقة.
الاعاقة في واقع النزوح، مأساة أخرى.
يقول محمد أبو كميل، وهو أحد أفراد مجتمع ذوي الإعاقة الحركية في قطاع غزة، أن أقسى التحديات التي تواجه ذوي الإعاقة في ظل وجودهم بين مجتمع النازحين وفي مراكز الإيواء، هو عدم إمكانية وصولهم إلى مصادر الحياة - كالغذاء والمياه والانترنت، مشيرًا إلى افتقارهم إلى المعدات الخاصة التي فقدوها أثناء رحلة نزوحهم كالكراسي المتحركة الكهربائية والأجهزة المساعدة للمكفوفين إضافة إلى أن انقطاع التيار الكهربائي بشكل متعمد عن قطاع غزة منذ أكثر من عام أدى إلى زيادة معاناة ذوي الإعاقة الحركية ممن يستخدمون الكراسي المتحركة الكهربائية، مفصلًا بأن ذوي الإعاقة في مراكز الإيواء يعانون من عدم جهوزية المكان، إضافة إلى نقص حاد في الأدوية والخدمات
الطبية والاحتياجات الخاصة مثل الحمامات التي يتمنى أبو كميل لو كانت مجهزة من قبل المؤسسات المعنية بذوي الإعاقة لاستقبالهم في حالة الطوارئ والحروب.
ومن جهتها عبرت هند والتي تعاني من إعاقة سمعية عن صعوبة ما واجهته خلال الحرب عند حالات الإخلاء قبل وبعد الاستهدافات، " عندما نزحت من شمال قطاع غزة إلى الجنوب فقدتُ جهاز السمع الخاص بي على الحاجز، ولنقص المعدات الطبية شهدت الكثير من الاستهدافات التي كان يغطيني فيها الغبار وأنا لا أعلم متى يقصفون وماذا، أشعر باهتزاز الأرض من حولي، وأرى الناس الذي يعانون نفس مشكلتي يركضون دون أن يعرفوا ماذا يحدث، وهذه معاناة إضافية لا يُلقي لها المحتل بالًا.
أما فيما يتعلق بمعاناة ذوي الإعاقة خلال عمليات النزوح القسري المتكررة، فيواجه الأشخاص ذوي الإعاقة على اختلاف إعاقاتهم سواء كانت حركية أو سمعية أو بصرية أو حتى ذهنية صعوبات هائلة، يرجع ذلك لصعوبة حركتهم وحاجتهم لمساعدة الآخرين، في وقت يحاول الجميع أن ينجو بنفسه، كما تتفاقم معاناتهم خلال محاولاتهم الفرار من القصف، بسبب الدمار الهائل في الشوارع والبنى التحتية، والذي شكل عائقاً أمام محاولة الهروب باستخدام الكراسي المتحركة وغيرها من الأجهزة المساعدة، خاصة في ظل غياب تحذيرات في معظم الأحيان، وهذا ما أكدت عليه أرقام مركز الإحصاء الفلسطيني التي أشارت إلى أكثر من (150) ألف ضحية من المدنيين نتيجة الحرب الأخيرة المستمرة على غزة، هؤلاء الضحايا صنفوا ما بين قتلى وجرحى ومُصابين، حيث أن مئات المصابين من المواطنين المدنيين أصبحوا من ذوي الإعاقة بما يقارب (26.140) شخص حسب رصد مركز الإحصاء الفلسطيني، بنسبة تقدر بـ (25%) من مجمل الإصابات التي تحتاج إلى إعادة تأهيل مستمر، وذلك نظرًا لضعف الإمكانيات الطبية وخروج المستشفيات الحكومية والخاصة عن العمل في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكثر من عام.
ومن جهتها لا زالت سلطات الاحتلال تتبع سياسة الإهمال بحق الأشخاص ذوي الإعاقة، من خلال عدم توفير الإمكانيات والقدرات الإنسانية للأشخاص ذوي الإعاقة رغم وجود العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والتي تضمن تأمين ذوي الإعاقة وحمايتهم في مناطق الحروب والنزاعات المسلحة، حيث أن هناك اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وهي معاهدة دولية لحقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة تهدف بدورها إلى حماية حقوق وكرامة الأشخاص، والتي كانت إسرائيل طرف منضم ومصادق عليها منذ
عام 2012، إضافة إلى قرار مجلس الأمن(2475)، والكثير من الحماية الموفرَة في اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين، إلا أن الاحتلال وخلال حربه على قطاع غزة لم يوفر الحماية المكفولة في الاتفاقيات الدولية والقوانين الدولية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، حيث أنها تتحمل كامل المسؤولية تجاه ما يعانيه الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر2023.
صحفية فلسطينية مستقلة، حاصلة على بكالوريوس صحافة واعلام من جامعة الأقصى بغزة،تعمل في مجال الصحافة التحريرية مع العديد من الصحف والمنصات المحلية والعربية،وتعمل باحثة ميدانية بالعديد من المؤسسات المحلية