عربيعربي
النزوح القسري كأداة من أدوات الحرب

النزوح القسري كأداة من أدوات الحرب

(تحليل قانوني من منظور القانون الدولي الإنساني)

المقدمة:

تعد الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023 حتى يومنا هذا من أكثر الحروب دمويةً في تاريخ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وقد تجاوزت حدتها وتأثيراتها كافة الحروب السابقة التي شنتها إسرائيل ضد الفلسطينيين، فمنذ نكبة عام 1948 التي شهدت تهجير مئات آلاف الفلسطينيين مروراُ باحتلال القوات الإسرائيلية لقطاع غزة والضفة الغربية عام 1967م، وما تلاها من موجات نزوح داخلي متكررة خلال الحروب والعمليات العسكرية المتعاقبة سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، والفلسطينيون يتعرضون إلى سلسة متواصلة من عمليات النزوح القسري تحت سياسات استعمارية ممنهجة وقد بلغت ذروة هذه المأساة في حرب الإبادة المستمرة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ ال7 من أكتوبر عام 2023 والمستمرة حتى يومنا هذا في قطاع غزة.

استخدمت قوات الجيش الإسرائيلي سياسات ممنهجة خلال هذه الحرب تمثلت في استهداف المدنيين حيث قتل أكثر من 53 ألف قتيل وآلاف المفقودين حتى الآن حسب إحصائيات وزارة الصحة، وسياسة تدمير البنية التحتية والأماكن السكنية حيث دمرت أو تضرر حوالي 70% من منازل غزة بالإضافة إلى التدمير الواسع والكبير في البنية التحتية والمعالم الثقافية والدينية، ناهيك عن ممارسة الاحتلال بفرض الحصار الشامل على قطاع غزة ومنع دخول الوقود أو المساعدات الإنسانية أو المستلزمات الطبية الأمر الذي أدى إلى انهيار النظام الصحي والنقص الحاد في الغذاء والمياه حتى باتت كافة المؤسسات الدولية تحذر من وقوع مجاعة جماعية في قطاع غزة، اضافةُ إلى سياسة النزوح القسري للسكان التي شهدها القطاع والتي تعد أكبر موجة نزوح قسري في تاريخ الصراع، والتي أدت إلى نزوح عدد غير مسبوق لغالبية سكان القطاع في أوضاع مأساوية وكارثية للغالية، حيث تم تهجير أكثر من 1.9 مليون فلسطيني أي ما يزيد عن 85% من سكان القطاع وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، كما أن قوات الاحتلال تحتل حاليا أكثر من 79% من مساحة قطاع غزة. 

هذه السياسة الممنهجة التي تستخدمها إسرائيل هي موضع الحديث بهذا التقرير والذي يسعى فيه لتحليل كيف استخدمت إسرائيل النزوح القسري للسكان كأداة من أدوات الحرب ضد السكان في قطاع غزة من منظور قانوني ويبين فيه الانتهاكات المرتكبة من قبل إسرائيل للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واتفاقية جينيف الرابعة والواقع الذي يعيشه النازحون.

تطبيق قواعد القانون الدولي على حالة النزوح في قطاع غزة خلال حرب الإبادة المستمرة. 

’’ إن جوهر المشكلة الأساسية التي نعاني منها في فلسطين عامة وليس في قطاع غزة فقط وهي أن إسرائيل دولة احتلال ويفرض القانون الدولي قواعد صارمة عليها بشأن الأراضي التي تحتلها، وأن هناك حقوق ثابتة وأساسية للشعب الفلسطيني وهي حق تقرير المصير، الحق بالاستقلال والسيادة الوطنيين، وحق العودة، وبما أن غالبية سكان قطاع غزة من المهجرين عام 1948 فإن الذي تقوم به إسرائيل حالياً في حربها على غزة ما هو إلا تمعن في الاستمرار في تهجير المهجرين وأمر النازحين بالنزوح. ‘‘

قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال حربها على قطاع غزة بارتكاب أكبر عملية إبادة في التاريخ الحديث دون مراعاة أي أخلاق إنسانية أو قواعد أو مواد قانونية دولية لحماية المدنيين في قطاع غزة، ودون أي محاولة لتجنيبهم ويلات هذه الإبادة بل إنها حاولت بكل وحشية بشتى الطرق الممكنة وغير الممكنة لإشباع غريزة الانتقام وتنفيذ سياسات المستوى السياسي الإسرائيلي وتحقق أطماعهم وتطلعاتهم باحتلال قطاع غزة وجعله مكان غير قابل للحياة لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة منه وذلك ما هو ثابت في تصريحات المستوى السياسي وفي أكثر من مرة، فقد وصف وزير إسرائيلي نزوح سكان غزة جنوباً ب"نكبة 2023" وفي تصريح آخر لوزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر في ديسمبر 2023 قال فيه "لن يكون هناك أزمة إنسانية في غزة إذا لم يكن فيها مدنيون". ولعل خطة التهجير الطوعي للسكان الفلسطينيين من قطاع غزة التي طرحت على الدول العربية وغيرها ونادت بها إسرائيل كثيرا رغم انها لاقت تنديدات وإدانات عالمية هي الهدف الحقيقي الغير معلن لحرب الإبادة على قطاع غزة، وقد مارست إسرائيل على أرض الواقع تطبيق فعلي لهذه الخطط والسياسات والتوجهات من خلال انتهاكاتها المتكررة للقانون الدولي.

(أن أساس وجود القانون الدولي هو ضمان حق الأفراد والجماعات في العيش في أوطانهم ومجتمعاتهم وبيوتهم والتمتع بالحياة بأمان وقد حظر القانون الدولي أي فعل يؤدي إلى المساس بحقوقهم أو حرياتهم أو ممتلكاتهم[1])

يشمل القانون الدولي الإنساني على أحكام بشأن منع النزوح وحماية النازحين داخلياً باعتبارهم جزءاً من السكان المدنيين وقد تكرست هذه الأحكام في اتفاقية جينيف الرابعة لعام 1949م والبروتوكولين الاضافيين الأول والثاني لعام 1977م، وأيضاً في القانون الدولي الإنساني العرفي حيث نصت كافة هذه القوانين والاتفاقيات صراحةً على حظر تشريد المدنيين.

أولاً/ واقع النزوح في قطاع غزة خلال حرب الإبادة.  

"في غزة، تظهر أعمال الحرب استهتارا تاما بحياة البشر، على مرأى من العالم. فالناس محاصرون ويتعرضون للقصف والتشريد والتجويع من جديد. ومن بين القتلى: أطفال، وعاملون في المجال الإنساني والطبي، ومسعفون وصحفيون. لا أحد في مأمن، ولا أحد مستثنى".

يمثل النزوح القسري للسكان في قطاع غزة مأساة إنسانية متفاقمة، ويفرض ظروف قاسية جداً يجعل من الحفاظ على الحياة الكريمة أمراً بالغ الصعوبة نظراً لأوامر الاخلاء واسعة النطاق التي تشمل مناطق جغرافية واسعة ومكتظة بالسكان وأمرهم بالتوجه إلى أماكن محددة للإخلاء إليها المسماة بالمناطق الإنسانية حسب ما تدعي قوات الاحتلال الإسرائيلي التي يواجهون فيها تحديات كبيرة من حيث مساحتها ومن حيث التجهيزات الميدانية ومن حيث المدة الزمنية المحددة والقيود المفروضة على حركة المواطنين إضافة إلى الاستهدافات المتكررة لهذه المناطق وسياسة الإخلاءات المتكررة، موجات النزوح المتكررة هذه ليست موجات مؤقتة، بل هي حالة مزمنة وسياسة ممنهجة تستخدمها قوات الاحتلال خلال الحرب ضد السكان في قطاع غزة، دون مراعاة أي قوانين أو اتفاقيات دولية حظرت منع تهجير السكان أو إجبارهم على مغادرة أماكن سكناهم دون توفير ممرات آمنة أو أماكن إيواء مناسبة أو توفير غذاء أو مياه لهم وتركهم للمجهول بلا أمن ولا أمان، وحتى أنها لم تلتزم بما يسمح به بحدود ضيقة في القانون الدولي من إخلاء مناطق معينة وفق شروط وظروف معينة ومحددة حصراً.

والتي نصت عليه اتفاقية جينيف الرابعة صراحةً في المادة (49) " يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه[2].

وفي الاستثناء الضيق والمحدد الوارد بالمادة السابقة بشأن جواز أن تقوم دولة الاحتلال بإخلاء كلي أو جزئي لمنطقة محتلة معينة، إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو لأسباب عسكرية قهرية، قالت د. سامية الغصين في مقابلة معمقة (" أن مصلحة المدنيين أولى من أي اعتبار آخر". وأضافت حتى في الاستثناء الذي يسمح بالإخلاء الجزئي أو الكلي لمنطقة معينة وحسب ما وصفته أن الاستثناء المنصوص عليه في المادة السابقة  واضح وضيق جداً، وهو في حالة الضرورة العسكرية الملحة أو في حالة الميزة العسكرية، ويجب أن تتناسب الوسائل المستخدمة لتحقيق الغاية من الاستثناء السابق مع واقع الحال مع مراعاة وضع المدنيين والحفاظ على حياتهم وممتلكاتهم حيث أنهم رغم الاستثناء السابق إلا أنهم يبقوا مدنيين وحقهم محفوظ وفق القانون الدولي ووفق اتفاقية جينيف الرابعة مع تأكيدها أنه إذا تم نقل السكان فيجب نقلهم إلى منطقة آمنة ( مناطق الاستشفاء أو المناطق المنزوعة السلاح) وهي منصوص عليها في القانون الدولي وفي اتفاقية جينيف الرابعة، وأضافت أن هذه الأماكن هدفها الأساسي هو حماية المدنيين وتجنيبهم النزاع القائم وآثاره، يتم تقديم احداثياتها لطرفي النزاع لكي لا يتم استهدافها، وانها تتم بالاتفاق بين طرفي النزاع عليها، وتكون فيها أطراف محايدة تقدم الخدمات والمساعدات للمدنيين وتضمن حرية دخول المؤسسات والبعثات المحايدة إليها دون قيود أو تنسيق[3])

وفي حين أن النزوح القسري والتشريد الداخلي للمدنيين يعد أحد أبرز الانتهاكات الجسيمة للقواعد الأساسية التي تحكم سير النزاعات المسلحة وخاصة اتفاقية جينيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول، إلا أن قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال حربها على قطاع غزة من أكتوبر 2023 وحتى يومنا الحالي، تحاول بانتهاجيها هذا السلوك الإجرامي الممنهج والذي استخدمته كأداة من أدوات الحرب خلال حربها على غزة الالتفاف على القانون الدولي، فبدل من أن يكون وسيلة حماية تفرضها القوانين الدولية لتجنيب المدنيين ويلات النزاعات المسلحة، أصبح سياسة وأداة فعلية مشروعة لدى قوات الاحتلال للتهرب من مسؤولياته الدولية المتمثلة يحظر نقل أو تهجير السكان المدنيين، ووفقا لآخر تقرير صادر عن الأمم المتحدة، نزح ما لا يقل عن 1,9 مليون شخص - أو حوالي 90 بالمئة من السكان - في جميع أنحاء قطاع غزة خلال الحرب، وقد تعرض العديد منهم للنزوح مرارا وتكرارا، بعضهم 10 مرات أو أكثر، ومنذ صدور أوامر الإخلاء الأخيرة، اضطر المزيد من الأشخاص إلى الفرار بحثا عن الأمان، ووفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، فإن أكثر من ثلثي قطاع غزة (أو 70 بالمئة) يقع ضمن المناطق "المحظورة" أو تحت أوامر نزوح فعالة أو كليهما.

1- ممارسات قوات الاحتلال في استخدام النزوح كأداة من أدوات الحرب.

خلال حرب الإبادة المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى مايو الحالي2025 استخدمت قوات الاحتلال الاسرائيلي عدى طرق وأساليب ممنهجة لجبر السكان على النزوح والإخلاء القسري لأماكن سكنهم ومنها في حين صرح مسؤول أممي " أن خطط إسرائيل المعلن عنها لترحيل سكان غزة قسرًا إلى منطقة صغيرة في جنوب القطاع وتهديدات المسؤولين الإسرائيليين بترحيل الفلسطينيين إلى خارج غزة تزيد من المخاوف من أن إجراءات إسرائيل تهدف إلى فرض ظروف حياة على الفلسطينيين تتنافى بشكل متزايد مع استمرار وجودهم كمجموعة في غزة".

حيث أن هذه الأساليب تنتهك مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن النزوح الداخلي، ومن قواعده، الحماية من التشريد التعسفي، الحماية أثناء النزوح، المساعدة الإنسانية، الحماية أثناء العودة وإعادة التوطين والاندماج.

وتشكل مخالفة واضحة للقاعدة (129) والقاعدة (131) من القانون الدولي الإنساني العرفي[4]، والتي حظرتا بشكل واضح الأطراف المتنازعة القيام بالإخلاء والنقل القسري للسكان المدنيين من أماكن سكنهم أثناء النزعات المسلحة. 

كما أن اجبار السكان على النزوح والترحيل أو النقل القسري للسكان جريمة إبادة جماعية حسب المادة (6) من نظام روما الأساسي، إذا كان الهدف منه تدمير جماعة قومية أو عرفية أو دينية كلياً أو جزئياً عبر تهجيرها قسراً من أراضيها وأماكن سكناهم. 

كم يعد جريمة ضد الإنسانية كما هو موضح في المادة (7) الفقرة (1) (د) من ذات النظام إذا تم بشكل منهجي أو واسع النطاق، أو بشكل منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم.

وكما هو موضح بذات المادة الفقرة(د) فإنه يقصد بإبعاد السكان أو النقل القسري للسكان أنه نقل الأشخاص المعنيين قسراً من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة، بالطرد أو بأي فعل قسري آخر، دون مبررات يسمح بها القانون الدولي.

ويعد جريمة من جرائم الحرب حسب المادة (8) الفقرة (2)(أ) (7) المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لاتفاقية جينيف الرابعة 1949، المتعلقة بالإبعاد أو النقل غير المشروعين كما أنه يعد جريمة حرب حسب الفقرة (2)(ب)(8) إذا قامت دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر بقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها، أو إبعاد أو نقل كل سكان الأراضي المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأراضي أو خارجها.

(قال خ.ج (37 عام) متزوج سكان حي الصبرة " منذ بداية الحرب نزحت وزوجتي وأطفالي الأربعة أكثر من 15 مرة، حيث نزحت أول مرة بتاريخ 10أكتوبر 2023، إلى منزل أختي الواقع في منطقة اليرموك بعد قصف منزل بجوارنا وتضرر بيتي بشكل كبير، وبعد إصدار قوات الاحتلال أمر الإخلاء الأول في 13 أكتوبر وأمرنا بالتوجه جنوب وادي غزة وصنفها أنها مناطق آمنة، كان نزوحي الثاني وتتالت مرات النزوح من النصيرات إلى خانيونس ثم إلى النصيرات ثم رفح ثم إلى خانيونس ثم إلى دير البلح حتى أنني نزحت في نفس المنطقة أكثر من مرة، ويضيف قائلاً عن رحلة نزوحه الشاقة أنه في أكثر من مرة كان ينزح وعائلته مشياً على الأقدام تاركاً خيمته ومتاعه ويأخذ ما يمكن حمله على أكتافهم في حقائبهم، إما لعدم وجود متسع من الوقت للإخلاء أو لعدم وجود مبلغ كافي للنقل في المواصلات نظراً لارتفاع الأسعار الباهض في النقل حين نزوح منطقة ما لعدم توفر الوقود أو لأن المنطقة مصنفة بأنها خطيرة ووصول سيارة لنقلهم فيها مجازفة كما حدث معي أثناء النزوح من النصيرات من منطقة "الدعوة " إلى رفح في يناير2024حتى عودتي إلى مدينة غزة في صباح يوم الاثنين 27يناير 2025).

أولاً/ سياسة الأوامر العسكرية بالإخلاء والنزوح.

وفقاً لنص المادة (51) والمادة (48) من البروتوكول الإضافي الأول والتي نصتا على حظر الهجوم على المدنيين وحظر شن الهجمات العشوائية، وحظرت توجيه الأعمال الانتقامية والعقوبات الجماعية ضد المدنيين وممتلكاتهم، إلا أن ومنذ بداية الحرب أصدرت قوات الاحتلال الإسرائيلي عدد كبير من أوامر الإخلاء القسري للسكان بناءً على تطورات العمليات العسكرية والسياسات الإسرائيلية حسب ما تدعيه قوات الاحتلال الإسرائيلية، وبالنظر لهذه الأوامر الممنهجة التي تفرض على السكان النزوح من مناطق سكناهم تحت تهديد السلاح ولقتل، فإن الملاحظ من هذه السياسة المتبعة من إخلاءات قسرية وتدمير كامل للبينة التحتية والقتل المتزايد هو خلق واقع جديد على السكان ودفعهم كما بينا سابقاً للهجرة الطوعية في ظل انعدام مقومات أساسية للحياة في قطاع غزة، وهو ما يؤكده تصريح المتحدث باسم مفوض الأمم المتحدة " أدّى إصدار القوات الإسرائيلية بشكل متصاعد "لأوامر الإخلاء" - وهي في الواقع أوامر تهجير – إلى نقل فلسطينيين في غزة قسراً نحو مساحات تزداد تقلّصاً، حيث تُتاح لهم بالكاد، أو تنعدم نهائياً، فرصة الوصول إلى الخدمات المنقذة للحياة، بما فيها المياه والغذاء والمأوى، وحيث لا يزالون يتعرضون للاعتداءات، وهو ما يمثل انتهاك واضح للقانون الدولي. 

أ- طرق ووسائل أوامر الإخلاء القسرية (الأوامر العسكرية):

استخدم الجيش الإسرائيلي وسائل متنوعة وأشكال جديدة في أوامر الاخلاء ومن هذه الوسائل (إسقاط المنشورات الورقية من الطائرات يضيف عليها خرائط للمناطق المطلوب إخلاء السكان منها، ومكبرات الصوت عبر طائرات مسيرة وإرسال رسائل على الهواتف الخلوية، ونشر بلاغات على صفحات التواصل الاجتماعي التابعة للمتحدث باسم الجيش ومنسق أعمال الحكومة) وقامت قوات جيش الاحتلال بتوزيع خرائط تحتوي على بلوكات مرقمة للإعلان عن أوامر التهجير، وقسمت قطاع غزة إلى وحدات حسب تلك المنشورات والخرائط مضيفة رمز استجابةQR لاستخدامه للمسح الضوئي بالهواتف المحمول لمعرفة أماكن المطلوب إخلاءها، هذا الأسلوب الذي ادعت فيه إسرائيل بمساعدة المدنيين في غزة لتجنب الهجمات كان عديم الفائدة، حيث قامت قوات جيش الاحتلال بقطع التيار الكهربائي عن قطاع غزة خلال أول أيام الحرب، الأمر الذي أدى إلى عدم وصول هذه البلاغات لعدد كبير من المواطنين لانهيار منظومة الاتصالات ومنع السكان من شحن هواتفهم النقالة، كافة هذه الوسائل كانت تتضمن معلومات متناقضة وغير واضحة، الأمر الذي تسبب في حالة كبيرة من الذعر بين السكان.

ب- مراحل النزوح القسري (أوامر الإخلاء العسكرية):

"أوامر العقاب" حيث قالت " (إن أوامر الإخلاء العسكرية التي تقوم إسرائيل برميها من الطائرات أو نشرها على شبكة الانترنت او ارسالها عبر الهواتف المحمول او بالاتصال، لا تعفيها من مسؤوليتها المقررة بالقانون الدولي من تجنيب المدنيين العمليات العسكرية، حيث أن هذه الأوامر كثيراً ما كانت مبهمة وغير واضحة ومتضاربة  وأنها لا تعطي السكان الوقت الكافي للإخلاء، وأن هذا الأوامر كانت غالباً أداة عقابية تهديدية أكثر من أنها أداة حماية، وحيث أن غالباً ما كان السكان يعودوا إلى مناطق سكنهم مع أنها وحسب الأوامر تكون لا زالت مصنفة كمناطق قتال -مناطق حمراء.[5])

1- المرحلة الأولى أكتوبر 2023: أمر التهجير الواسع لشمال وادي غزة، فقد كان أمر الإخلاء العسكري القسري للسكان من شمال وادي غزة في 13 تشرين الأول/أكتوبر2023، والذي أصدرته قوات الاحتلال أول وأكبر أمر إخلاء جماعي، أمرتهم فيه بإخلاء أماكن سكنهم والإخلاء إلى مناطق جنوب وادي غزة، حيث يبلغ عدد السكان المشمولين في هذا الأمر حوالي 1.1 مليون انسان، وكانت منطقة جنوب وادي غزة هي وجهة الإخلاء المحددة في الأوامر العسكرية على اعتبارها أماكن آمنة ومناطق إنسانية، ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة فقد وصل نحو 800ألف مهجر من شمال وادي غزة إلى واحدة من المحافظات جنوب وادي غزة (وسط قطاع غزة، خانيونس، رفح).

2- المرحلة الثانية نوفمبر2023- يناير2024: شملت الأوامر العسكرية منطقة وسط وجنوب القطاع (محافظة خانيونس ومخيمات وسط قطاع غزة النصيرات البريج المغازي) حيث تشكل هذه المناطق ما نسبته 28 بالمائة تقريبًا من مساحة قطاع غزة وكانت تحتوي على تم الإشارة إليه سابقاً من نازحين من شمال وادي غزة إضافةَ للسكان المقيمين بهذه المناطق والذي أصبح عددهم ما يزيد عن نصف قطاع غزة نزحوا إلى منطقة رفح ومواصي خانيونس المحددة بمناطق إنسانية كما تدعي قوات جيش الاحتلال. 

3- المرحلة الثالثة الهجوم العسكري على رفح مايو 2025: في سابقة هي الأول على الإطلاق قامت قوات جيش الاحتلال وبمشهد يماثل أمر النزوح والإخلاء القسري الأول، بالطلب من جميع سكان مدينة رفح والنازحون المتواجدون فيها والتي كانت تؤوي ما يزيد عن نصف سكان قطاع غزة والموضح سابقاً، على النزوح إلى مناطق جديدة في مواصي خانيونس المصنفة كمناطق إنسانية آمنة.

4- المرحلة الرابعة تفريغ شمال قطاع غزة من السكان (خطة الجنرالات) أكتوبر 2024: أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي، في أكتوبر 2024 أوامر إخلاء جديدة لسكان منطقة شمال قطاع غزة، ووفقاً للتقارير فإنه كان يتواجد فيها حوالي 400 ألف مواطن اختاروا عدم الإخلاء، في حين كانت مساحة قطاع غزة التي تخضع لأوامر التهجير الفعلية الصادرة عن الجيش الإسرائيلي 79% من مساحة القطاع.، وقدرت الأمم المتحدة أن ما بين 100 ألف إلى 130ألف شخص قد نزحوا من شمال قطاع غزة إلى مدينة غزة، وتشير التقديرات إلى أن ما بين 70-75 ألف شخص ما زالوا في شمال قطاع غزة. 

5- مرحلة عودة النازحين في جنوب وادي غزة إلى بيوتهم وأماكن سكنهم من شمال وادي غزة 26/يناير2024(وقف إطلاق النار المؤقت) بعد 471 يوم من الحرب عاش خلالها السكان في قطاع غزة إحدى أقسى وأصعب تجارب النزوح التي مرت على الشعب الفلسطيني منذ النكبة عام 1948، عاد السكان إلى شمال وادي غزة حسب التفاهات التي نصت على عودة النازحين من طريق صلاح الدين للسيارات والعربات، وطريق الرشيد الساحلي للمشاة فقط، وسط إجراءات أمنة معقدة وتواجد قوات مصرية قطرية أمريكية لتفتيش العائدين عبر شارع صلاح الدين ومع عدم انسحاب قوات جيش الاحتلال من قطاع غزة وتحديده لمناطق معينة مصنفة كمناطق خطرة (حمراء) لا يجب الاقتراب منها، وقد وثق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) عودة نحو 376 ألف مواطن فلسطيني إلى شمال قطاع غزة خلال أول يوم، عائدين على دمار واسع وغير مسبوق مع عدم وجود لأي من مقومات الحياة هناك. 

وفي تصريح هو الأول من نوعه لمبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف للشرق الأوسط لموقع أكسيوس يوضح حجم الدمار الهائل الذي لحق بقطاع غزة "لم يتبق شيء تقريباً من غزة" وأضاف "يتحرك الناس شمالاً للعودة إلى منازلهم ورؤية ما حدث والعودة والمغادرة.. لا يوجد ماء ولا كهرباء، إنه لأمر مذهل مدى الضرر الذي حدث هناك". هذا التصريح يعكس حجم الدمار الذي عاد إليه النازحون إلى منازلهم ومناطق سكنهم في ظل الدمار الواسع والممنهج الذي قامت به قوات الجيش الإسرائيلي.

استمر وقف إطلاق النار المؤقت حتى تاريخ ال18/مارس2025، وأعلنت قوات الجيش الإسرائيلي استئناف عملياتها العسكرية في قطاع غزة، الأمر الذي أدى إلى موجات نزوح جديدة كبيرة داخل قطاع غزة، حيث فر آلاف المواطنين من مناطقهم بحثاً عن الأمان، مع تفاقم الأزمة الإنسانية داخل قطاع غزة " لقد عانى سكان غزة معاناة لا يمكن تصورها هذا أمر غير معقول، يجب إعادة وقف إطلاق النار على الفور".

6- المرحلة الخامسة النزوح المتكرر والبحث عن مناطق آمنة، وهي مرحلة مستمرة في كافة المراحل السابقة وحتى الآن فقد عانى سكان قطاع غزة من أوامر الإخلاءات القسرية المتكررة والتي دفعتهم للنزوح أكثر من عدة مرات بحثاً عن الأمان والتي كانت في إطارات زمنية مختلفة ومستمرة طوال هذه الحرب حتى يومنا هذا، وقد أسفرت أوامر الإخلاء الجماعي المتعاقبة التي تصدرها قوات الجيش الإسرائيلي، عن نزوح 90 في المائة من سكان غزة منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023، ونزوحهم مرات متعددة في أحيان كثيرة، مما يعرّضهم للأذى ويحرمهم من ضروريات البقاء على قيد الحياة، ومنذ استئناف قوات الجيش الإسرائيلي عملياتها العسكرية وبعد عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة بعد الوقف المؤقت لإطلاق النار الذي دام قرابة الشهرين، عادت مأساة النزوح تتكرر مرة أخرى فقد أشارت التقديرات إلى أن حوالي 428,000 شخص نزحوا مرة أخرى منذ تصعيد الأعمال القتالية.

ج- استهداف المناطق المحددة للنزوح (المناطق الإنسانية):

" القفص الكبير" ( ان هذه الأماكن لا يمكن وصفها حسب القانون الدولي أنها مناطق إنسانية أو آمنة كما تدعي إسرائيل واختصرت الحديث عن هذه الأماكن بإجابة بصيغة سؤال "وهي كم مرة تم استهداف هذه الأماكن؟ كيف أوضاع السكان المعيشية في هذه المناطق؟ كم مرة نزح المواطنين من هذه المناطق؟[6])

المنطقة الآمنةتعني منطقة مؤقتة تهدف إلى المحافظة على سلامة المدنيين وحمايتهم وتجنيبهم الأعمال القتالية.

حشرت قوات الجيش الإسرائيلي كامل سكان غزة في المنطقة المعروفة باسم “المنطقة الإنسانية - المواصي الموسع”، وبعد إجبار قوات الجيش الإسرائيلي السكان على النزوح القسري ووضعهم في ظروف غير إنسانية تهدد حياتهم، إلى أماكن تنعدم فيها أي مقومات للحياة، في مساحة جغرافية ضيقة جداً وغير مهيأة للسكن، أصبحت مكتظة بالنازحين، مع انعدام توافر المياه الصالحة للشرب والغذاء والرعاية الصحية، وعلى الرغم من أن إسرائيل ادّعت أن البقاء في هذه المنطقة من شأنه أن ينقذ الحياة، إلا أنها صعدت من استهداف المدنيين النازحين الذين يقيمون في خيام ضمن المنطقة التي تدعي أنها إنسانية وآمنة، ومما لا شك فيه أن قصف الجيش لهذه المنطقة، وغيرها من المناطق التي يتجمع فيها العديد من النازحين، يثبت أنه لا يوجد مكان آمن حقاً في غزة، وهذا ما تم كشفة في دراسة أجرتها بي بي سي أن المنطقة "الآمنة" في غزة التي طلب الجيش الإسرائيلي من سكانها التوجه إليها "حفاظاً على سلامتهم" تعرضت لـ 97 غارة منذ مايو/أيار الماضي.

ثانياً/ سياسة التدمير المنهجي للمساكن والبنى التحتية.

لم تقتصر السياسات التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي على قتل الآلاف من المدنيين في غزة ، ولا على سياسة النزوح الجماعي القسري الذي شمل 90 % من السكان كما وضحنا سابقاً، بل امتدت لتشمل سياسة عقاب جماعي للسكان في غزة من خلال تدمير المنازل و البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك المدارس المنازل المستشفيات والأراضي الزراعية فقد أدى القصف الإسرائيلي المكثف إلى تدمير واسع النطاق للمنازل السكنية والبنى التحتية الأساسية الأخرى، فقد دمرت وضررت قوات الجيش الإسرائيلي خلال حربها على غزة أكثر من 90% من الوحدات السكنية في غزة  مما جعل النزوح إجبارياً للسكان للبقاء على قيد الحياة بل ويجعل عودتهم إلى ديارهم شبه مستحيل في ظل انعدام توفر مقومات الحياة الأساسية، الأمر الذي يدفع السكان جبراً على النزوح، وقال مسؤول أممي "عمليات تدمير وهدم واسعة النطاق من قبل قوات الجيش الإسرائيلي للبنية التحتية والمدنية وغيرها، بما في ذلك المباني السكنية والمدارس والجامعات في المناطق التي لا يوجد فيها قتال أو تلك التي لم يحدث فيها قتال".

خلافاً لما حظره القانون الدولي من سياسة عقاب جماعي للمدنيين، وهو ما أكدت عليه المادة (33) والمادة (53) من اتفاقية جينيف الرابعة، والمادة (75) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977م، حيث يحظر على أطراف النزاع ارتكاب العقوبات الجماعية بحق المدنيين، أو القيام بمصادرة أو تدمير أو نهب أو سلب الممتلكات الخاصة بالمدنيين.

" قال ج.ج (54) عام متزوج وأب ل 9 أبناء من سكان حي الزيتون " نزحت إلى جنوب قطاع غزة مجبراً لكي أحاول الحفاظ على أبنائي ولعلاج ابنتي الصغيرة التي لم أجد سوى عصى مكنسة لربط يدها المفتتة بعد إصابتها في قصف استهدف مدرسة الفلاح صباح يوم 17/11/2023 التي كنا نزحنا إليها ليلتها، بعد تعرض منزلي لقصف نتيجة الحزام الناري الذي انصب على رؤوسنا كالمطر في منطقتنا، ويتابع لم أكن أنوي النزوح وكنت أريد أن أوصل ابنتي إلى أقرب نقطة طبية فقط لعلاجها حيث قالت لي الممرضة الوحيدة التي وجدتها في مستوصف الزيتون والذي توجهت إليه تحت وابل من القذائف من الدبابات والطائرات "أن بنتك تحتاج لعملية عاجلة للحفاظ على يدها من البتر وأمامها اقل من 24 ساعة لإجرائها، قمت بالاتصال على زوجتي وقلت لها أنني سأتقابل معهم عند دوار الكويت وهم يكلموا مسيرهم باتجاه جنوب القطاع، وقمت بالاتصال على زوج ابنتي وطلبت منه الانتظار في اقرب مكان يتم استقبال النازحين فيه، وحملت ابنتي إلى دوار الكويت وانتظرت أكثر من ساعتين فلم تأتي زوجتي وأبنائي فقلت بنفسي ربما سبقوني للأمام فتقدمت باتجاه الحاجز "الحلابات" لعلي اجدهم هناك، وفجأة سمعت نداء باسمي من شرق الطريق حيث كانت الدبابات، ذهبت لأرى من المنادي وتفاجأت بجندي يطلب مني وضع ابنتي على لوح صفيحي ويطلبني بالتوجه إلى الجنوب، ترددت قليلا ثم مع صراخه وصراخ ابنتي تقدمت إلى جنوب الوادي ووجدت نسيبي بانتظاري ومعه عربة يجرها حمار" كارة حمار"  لحمل ابنتي لأقرب مستشفى ونحن بطريقنا قال لي أن زوجتي وأبنائي جالسون الآن بمنزل أقارب له في منطقة شمال شرق النصيرات...."

1- المنازل 

حسب "الاحصائيات" فقد بلغ عدد الوحدات السكنية المتضررة جزئياً نتيجة عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 07/اكتوبر/2023 نحو 297,000 وحدة سكنية، فيما تم هدم 87,000 وحدة سكنية بشكل كلي، وأشارت بيانات مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (UNOSAT) الى ان عدد المباني المتضررة نتيجة عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 07/اكتوبر/2023 بلغت نحو 156,423 مبنى، ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن هذا الإحصاء يتضمن ما مجموعه 245123 وحدة سكنية، وقال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إن أكثر من 1.8 مليون شخص يحتاجون حاليا إلى مأوى في غزة. فإن ثلثي المباني في غزة قبل الحرب، أكثر من 170 ألف مبنى، تهدمت أو سويت بالأرض وهذا يعادل حوالي 69 بالمئة من إجمالي المباني قطاع غزة، الأمر الذي يدفع السكان إلى النزوح قسراً لعدم توافر المأوى أو المسكن اللائق خلافاً لكل القوانين والمعاهدات الدولية.

" تقول أ.م 34 عام متزوجة وأم لطفلين سكان غزة نازحة حالياً في المنطقة الوسطى، بيتي دمر كلياً وبيت أهل زوجي دمر كلياً أيضا ويقع في منطقة عازلة محور نتساريم، وبيت أهلي دمر كلياً، ولا مكان لدي لأعود إليه، والحياة في مدينة غزة شبه مستحيلة لعدم توفر أي مقومات للحياة هناك، ولا نعلم متى أو كيف أو أين الوجهة الجديدة للنزوح في ظل استمرار الحرب والحصار"

2- المرافق العامة الاجتماعية (المستشفيات والمدارس والجامعات ومؤسسات التعليم والمقرات الحكومية والمساجد والكنائس والمواقع الأثرية)

تظهر آخر البيانات الصادرة عن مكتب الاعلام الحكومي حجم الدمار الواسع الذي لحق بالبنية التحتية في قطاع غزة خلال حرب الإبادة المستمرة(225) مقراً حكومياً دمرها الاحتلال "الإسرائيلي" (143) مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية دمرها الاحتلال بشكل كلي، (366) مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية دمرها الاحتلال بشكل جزئي، (828) مسجداً دمرها الاحتلال "الإسرائيلي" بشكل كلي، (167) مسجداً دمرها الاحتلال "الإسرائيلي" بشكل بليغ بحاجة إلى إعادة ترميم، (3) كنائس استهدفها الاحتلال "الإسرائيلي"، (38) مستشفى تعرضت للتدمير أو الحرق أو أخرجها الاحتلال عن الخدمة، (81) مركزاً صحياً تعرض للتدمير أو الحرق أو أخرجه الاحتلال عن الخدمة، (164) مؤسسة صحية تعرض للتدمير أو الحرق أو أخرجها الاحتلال عن الخدمة، (206) مواقع أثرية وتراثية تعرضت للقصف من قبل الاحتلال "الإسرائيلي".

3- شبكات الكهرباء والاتصالات والمياه والصرف الصحي والطرق.

"زلزال ضرب قطاع غزة هذا هو الوصف الذي ينطبق على حالة الدمار الواسع التي شملت كل القطاعات والبنى التحتية والأساسية في غزة فحسب الأرقام الصادمة الصادرة عن مكتب الاعلام الحكومي في غزة وتتمثل في تدمير 90% من الطرق في غزة بما يعادل 2.83 مليون متر طولي من شبكات الطرق، ودمار 88% من شبكات المياه والصرف الصحي بمجموع 655 ألف متر طولي، و330 ألف متر طولي من شبكات المياه، و717 بئر مياه، فيما دمرت شبكة الكهرباء ومكوناتها بنسبة 100% بمجموع 3780 كيلو مترا طوليا من شبكات الكهرباء، و2105 محول توزيعِ كهرباء.

4- القطاع الزراعي.

شهد القطاع الزراعي في قطاع غزة دماراً كبير نتيجة حرب الإبادة المستمرة والتي طالت البشر والحجر والشجر في غزة، حيث انه وحسب التقارير دمرت آلة الحرب الإسرائيلية أكثر من 60% من المساحات الزراعية وأصبحت غير قابلة للاستخدام، حيث أصبح يعاني (2.4)مليون مواطن في غزة من خطر المجاعة بسبب انهيار القطاع الزراعي والحصار المفروض ومنع دخول المساعدات، ولعل أبرز مظاهر الدمار الذي لحق بالقطاع تدمير ما نسبته 92% الأراضي التي زرعت قبل الحرب والبالغ مساحتها (178,000) دونم من الأراضي الزراعية، وتقلصت الأراضي المزروعة بالخضروات بسبب الحرب إلى (7000) دونم من أصل (85.000) دونم، 85% من الدفيئات الزراعية تعرضت للتدمير من محافظات قطاع غزة، تراجع إنتاج الخضروات السنوي إلى (49.000) طن من أصل (405.000) طن، 100% من الثروة السمكية بغزة تضررت نتيجة الاستهداف المباشر والقيود التي فرضتها قوات جيش الاحتلال ومنع الصيادين أو المواطنين من دخول البحر، في حين أن ما نسبته من 95% من القطاع الحيواني نفقت أو ذبحت خلال الحرب على غزة.

ثالثاً/ سياسة الحصار والتجويع للمدنيين كأداة لجبرهم على النزوح القسري.

خلافاُ لنص المادة (54) من البروتوكول الإضافي الأول التي حظرت تجويع السكان المدنيين، كوسيلة من وسائل الحرب، وحظرت تدمير الأهداف التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين.

استخدمت إسرائيل سياسة التجويع والحصار الشامل ضد المدنيين كأسلوب حرب منهجي وذلك عبر عدة آليات وتقسيمات زمنية ومكانية خلال حرب الإبادة المستمرة، بهدف إجبارهم على النزوح القسري، وهو الأمر الذي دعا كافة الدول إلى دعوة إسرائيل لعدم استخدام مثل هذا السلاح محرم ضد السكان المدنيين في قطاع غزة حيث "يواجه المدنيون في غزة صراعا يوميا ساحقا للبقاء على قيد الحياة في ظل مخاطر الأعمال العدائية، والتعامل مع النزوح الذي لا هوادة فيه، وتحمل عواقب الحرمان من المساعدات الإنسانية العاجلة".

أفاد ر.ش (33 عام) سكان حي النصر متزوج وأب لثلاث بنات أكبرهم 5 سنوات والأصغر ولدت أثناء نزوحنا الأول في 5/نوفمبر2023 وذلك بعد أن تعرضت منطقتنا للقصف الشديد ودخول قوات الاحتلال لمخيم الشاطئ غرباً، نزحنا إلى مستشفى الشفاء في غزة، ومكثنا في مستشفى الشفاء نحو الأسبوع تقريباً نفترش الأرض ونلتحف السماء، في ظروف صعبة للغاية فقد كان القصف جنوني جداً، ولا غذاء لدينا سوا بعض البسكوت ومياه مالحة كمياه البحر نقوم بتعبئتها من الحمامات كنا في وضع مأساوي للغاية، وكان كثير م الأصدقاء يتصلون بي للنزوح إلى جنوب قطاع غزة، إلا أن الأخبار التي كانت تصل أن الجيش يطلق النار اتجاه الرجال والنساء والأطفال، فخفت على أطفالي من هذه الرحلة الانتحارية، حيث أنه لا مواصلات تنقلنا هناك ولا طرق آمنة ولا أي شيء سوى الموت في الطرقات فقط، ويكمل أنه بعد أن قامت قوات الجيش الإسرائيلي باقتحام مستشفى الشفاء هرب مع زوجتي ومولودتي الجديدة وبناتي إلى منطقة الصحابة في شارع الجلاء ومع اشتداد المجاعة في شمال وادي غزة وارتفاع الأسعار الغير معقول، وبعد إصابتي في قدمي يوم مجزرة دوار النابلسي (مجزرة الطحين) على بحر الشيخ عجلين، أثناء محاولتي الحصول على بعض الطحين لصغاري من المساعدات التي كانت تدخل من جنوب القطاع عبر شارع الرشيد أخذت قرار النزوح إلى جنوب غزة في تاريخ 5/3/2024، لتبدأ قصة معاناة ونزوح جديدة لا يمكن لعقل بشري تصورها مستمرة حتى الآن لعدم وجود بيت لي لأعود إليه هناك والمجاعة تهدد صغاري.

1- الحصار الشامل وإغلاق المعابر.

(إن السياسة الجديدة التي تدعوا إليها إسرائيل لتقديم المساعدات للسكان في قطاع من خلال إنشاء مناطق توزيع تشرف عليها شركات أمنية أجنبية فإنها تؤكد ما سبق بأن هذه لا يمكن أن تسمى مناطق إنسانية، فالشروط الإسرائيلية المعلنة والمتبعة ما هي إلا سياسة ابتزاز للمواطنين للحصول على هذه المساعدات وهو ما يشكل انتهاك واضح للشروط المحددة وفق القانون الدولي للحصول على المساعدات[7])

فرضت قوات الجيش الإسرائيلي حصاراً محكماُ ومشدداً على السكان في قطاع غزة منذ بداية الحرب، استمراراً للحصار المطبق المفروض منذ أكثر من 17 عاماً، حيث منعت دخول المواد الغذائية والطبية والوقود، الأمر الذي فرض ظروف معيشية لا تطاق على السكان دفعتهم إلى النزوح بحثاً عن الغذاء والماء والدواء والأمان، وفي اليوم الثالث لحرب الإبادة على غزة وبتاريخ 9/أكتوبر 2023، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالنت أنه لن يتوفر لسكان غزة" لا كهرباء، لا طعام ولا ماء ولا غاز...كل شيء مغلق" كما أنه هذا التصريح يوضح ويؤكد سياسة المستوى السياسي الإسرائيلي وقوات الجيش الإسرائيلي باستخدام الجوع كسلاح ضد السكان في غزة لجبرهم على النزوح، كما أن ما يثبته يقيناً آخر قرار لحكومة الاحتلال في 2/مارس2025، بوقف المساعدات الإنسانية عن قطاع غزة، واستمرار إغلاق المعابر حتى إشعار آخر، النية المتعمدة لاستمرار جريمة حرمان الغزيين من المقومات الأساسية للحياة، بما يؤدي إلى تفاقم الكارثة الإنسانية، في سياسة واضحة منذ الأيام الأولى للحرب باستخدام سياسة التجويع واستخدامه كسلاح ضد السكان في غزة بالإضافة إلى منع دخول المساعدات المتكرر والمساومة على دخولها للسكان في قطاع غزة، الأمر الذي يشكل جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي، كما يشكل جريمة إبادة جماعية وفقاً لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، ضاربةً بعرض الحائط كافة القوانين والأعراف والاتفاقيات والقرارات الدولية والتنديدات والتحذيرات من تفشي المجاعة في قطاع غزة نتيجة هذه السياسة المتبعة.

في حين دعا كبار مسؤولي الأمم المتحدة يدعون العالم إلى التحرك العاجل لإنقاذ الفلسطينيين في غزة ، في حين قال مسؤول أممي أن "منع المساعدات يقتل" إن منع المساعدات يسفر عن تجويع المدنيين، يتركهم دون دعم طبي أساسي، يجّردهم من الكرامة والأمل، إنه شكل قاسٍ من العقاب الجماعي.

2- تدمير البنية التحتية الحيوية.

استهدفت قوات الاحتلال مصادر الغذاء مثل الأراضي الزراعية ومطاحن الدقيق والمخابز بشكل مباشر في قطاع غزة، كما استهدفت قوات الجيش الإسرائيلي خزانات المياه ومحطات تحلية المياه مع عدم توفر الوقود اللازم لتشغيل هذه المحطات والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي في قطاع غزة، بالإضافة إلى انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية في مدينة غزة وفي شمال غزة وعدم توافر أي مقومات تحافظ على حياة السكان. 

كما هو الحال في حصار شمال وادي غزة فترة فبراير/2024 التي تفاقمت فيها المجاعة بشكل كبير في شمال قطاع غزة، الأمر الذي فاقم معاناة السكان هناك ودفع كثير منهم إلى النزوح إلى مناطق أخرى يتوفر فيها الغذاء والماء جنوباً مشياً على الأقدام في ظروف صعبة للغاية.

3- الهجمات المباشرة على قوافل الإغاثة.

"لا يمكن للعاملين في المجال الإنساني أداء عملهم في ظلّ ظروفٍ كهذه، نحن هنا لتقديم المساعدة العاجلة للمدنيين المحتاجين، وإنّ ضمان وصول المساعدات الحيوية إلى المرافق الطبية هو التزام قانوني بموجب القانون الدولي الإنساني."

استهدفت قوات جيش الاحتلال بشكل مباشر مقار المؤسسات الدولية الأممية والدولية بالإضافة إلى استهداف قوافل المساعدات الدولية، فقد حاولت قوات جيش الاحتلال بكافة الطرق تحييد هذه المؤسسات وثنيها عن القيام بدورها الإغاثي في انتهاك واضح لقوانين حقوق الانسان، على الرغم من أن جميع هذه المؤسسات الدولية تقدم إحداثيات مستمرة لقوات الجيش الإسرائيلي لأماكن مقراتها ومساراتها أثناء الحركة والتنقل داخل قطاع غزة.

وكان عدد القتلى من عاملي الإغاثة في غزة منذ بدء الحرب قبل نحو عام ونصف 408 قتيل منهم 280 من يعملون في وكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا).

وكان رئيس الوزراء الفلسطيني قد أعلن أن قطاع غزة "منطقة مجاعة" واضاف هذه المجاعة ليست كارثة طبيعية، إنها جريمة إنسانية متعمدة، والصمت هو تواطؤ، حان وقت العمل الآن، لقد حان الوقت لوقف الكارثة وإنقاذ الأرواح"

إن هدف إسرائيل من هذه السياسة المتمثلة في فرض حصار مطبق وتجويع للسكان في قطاع غزة لا يمكن أن ينظر إليها على أنه سياسة عسكرية عارضة أو نتيجة جانبية للحرب، بل يجب توصيفها بصفتها سياسة ممنهجة ذات طابع عقابي جماعي، تستهدف شريحة سكانية محمية بموجب القانون الدولي، وتهدف إلى إبادتها أو إرغامها على النزوح القسري، ترقى إلى اعتبارها جريمة حرب تستوجب مساءلة دولية لإسرائيل واتخاذ إجراءات حاسمة لوقف هذه الجريمة وحماية المدنيين. 

انتهكت إسرائيل بشكل سافر كافة الأحكام في اتفاقية جينيف الرابعة لعام 1949م والبروتوكولين الاضافيين الأول والثاني لعام 1977م، وأيضاً لقواعد القانون الدولي الإنساني العرفي ومبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن النزوح الداخلي حيث نصت كافة هذه القوانين والاتفاقيات صراحةً على حظر تشريد المدنيين، تعمل هذه القواعد إلى منع أو تجنيب المدنيين آثار الأعمال العدائية وتهجيرهم أو تشريدهم من أماكن سكنهم وتوفير الحماية اللازمة للنازحين داخلياً أثناء وقوع النزاع.

رابعاً/ الأهداف والأبعاد السياسية والاستراتيجية للنزوح القسري.

إن تصريحات المستوى السياسي الإسرائيلي وخطط قوات الجيش الإسرائيلي المنفذة في قطاع غزة، بالإضافة إلى قرار الحكومة الإسرائيلية بإنشاء إدارة لتهجير سكان قطاع غزة، تبين أن النزوح القسري للسكان على امتداد فترة حرب الإبادة المستمرة وحتى الآن، والتي شملت كل سكان ومناطق قطاع غزة ليست مجرد أداة من أدوات الحرب التي استخدمتها إسرائيل فقط بل سياسة ممنهجة اتخذتها لدفع السكان للهجرة الطوعية من القطاع، وذلك بالنظر إلى كافة أعمال قوات الجيش الإسرائيلي التي أدت إلى انعدام الحياة في قطاع غزة بشكل نهائي، ويمكننا أن نحلل الأهداف الأبعاد السياسية والإستراتيجية لهذه الأداة والسياسة الممنهجة للنزوح القسري للسكان، على أنها أداة من أدوات الحرب تؤدي إلى تهجير أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين وتفتيت الكتلة السكانية في قطاع غزة عن طريق تدمير كل سبل الحياة في القطاع، وإنهاء المقاومة وفرض الاحتلال والسيطرة الأمنية والسياسية على مستقبل القطاع، بالإضافة إلى تعزيز الانقسام الفلسطيني والإبقاء على فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وبقية فلسطين وذلك من خلال. 

1- السيطرة العسكرية والأمنية، وذلك من خلال إنشاء مناطق عازلة على طوال الحدود حيث أن إسرائيل تسعى لإقامة منطقة عازلة داخل قطاع غزة تمتد لعدة كيلو مترات مما يؤدي إلى اقتطاع أجزاء من غزة وفرض واقع جيوسياسي جديد وذلك من خلال أوامر الاخلاء التي أجبرت السكان على اخلاء مناطق كبيرة من المناطق الحدودية مما سهل عملية جيش الاحتلال وقللت خسائره لإنشاء مناطق عسكرية عازلة جديدة داخل القطاع

2- التغيير الديموغرافي وإفراغ غزة من سكانها، حيث تسعى إسرائيل ومنذ عقود طويلة إلى تقليل الوجود الفلسطيني عبر هذه السياسات الممنهجة والتي تحقق له غرضه الأساسي في الاستيطان وإقامة إسرائيل الكبرى وذلك بضم مزيد من الأراضي وتحويلها إلى مناطق عازلة دائمة، تشكل السياسات الإسرائيلية التخطيطية والبنائية مجتمعة محاولة لإفراغ الحيز الجغرافي من مكونة الديموغرافي "التطهير المكاني" بالإضافة لحجم القتل التي ترتكبه آلة الحرب الصهيونية والتي تؤدي إلى خلق واقع ديموغرافي جديد للنازحين من هذه المناطق مما يزيد من العبء الاجتماعي على هؤلاء السكان. 

3- عزل غزة وتقسيمها إلى معازل صغيرة، تقوم قوات الجيش الإسرائيلي بتقسيم قطاع غزة في سياسة تهدف إلى التقسيم والتهجير، إلى تقسيم قطاع غزة إلى ثلاث قطاعات وضم شمالها لإسرائيل وذلك من خلال فرض واقع جغرافي جديد، سواء كان لأسباب عسكرية تسهل عملية السيطرة على هذه المناطق أو لأسباب اعاقة أعمال المقاومة لكي تفقدها قاعدتها الاجتماعية الشعبية والتي هي الحضن الوحيد لها، وفي استخدام هذه السياسة للضغط على المدنيين وعدم السماح للنازحين من العودة إلى منازلهم، بالإضافة إلى التحكم بحركة التنقل داخل قطاع غزة، وتسهيل عملية تدمير البنية التحتية، كما هو الحال في الثابت من سياسة أوامر الإخلاء القسرية التي كانت تحدد مناطق معينة للإخلاء ومن ثم تقوم بقصف هذه المناطق الأمر الذي أدى كثيراً إلى زيادة كبيرة في أعداد القتلى والاصابات وكما هو الحال في خطة الجنرالات الموضحة سابقاً في مراحل النزوح، هذه السياسة تجعل الحياة في قطاع غزة شبه مستحيلة، وتسعى لدفع السكان إلى الهدف الأسمى من النزوح وهو تسهيل الهجرة الطوعية.

3- الضغط على مصر والأردن والدول المجاورة وذلك من خلال إعادة طرح مشاريع توطين الفلسطينيين.

في ورقة سياسات صادرة عن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية تطرح خيارات التعامل مع قطاع غزة، حيث رأت أن الخيار الأمثل الذي يمكن أن يحل مشكلة الاحتلال الأمنية، ويضمن أمن مستوطني غلاف غزة، هو تهجير سكان القطاع، غير أن الورقة تعترف بصعوبات كبيرة في التنفيذ على رأسها الرفض العربي وتحديدا مصر والأردن، والرفض الدولي، تحاول إسرائيل إعادة تحقيق حلمها القديم المتجدد في تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، فتبين أن النزوح القسري المستخدم كأداة حرب ما هو إلا سياسة تتبعها إسرائيل لتحقيق مشاريعها القديمة الجديدة والتي تعنى بتصفية القضية الفلسطينية وإلغاء حق العودة، وهو ما يؤكده سياسة توجيه السكان في أوامر الإخلال إلى مناطق رفح الحدودية تحديدها منطقة آمنة كمقدمة لتهجيرهم. 

خامساً/ القرارات الدولية والمواقف الدولية والأممية 

(الواقع يثبت أن ما نتعرض له في قطاع غزة يشكل عدة جرائم مستمرة وهي جريمة الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجريمة حرب" حيث أن هذه الجرائم استهدفت بشكل مباشر المدنيين وهو ما يبينه أعداد القتلى والمصابين وتدمير الأعيان المدنية والثقافية بشكل شبه كامل وخصوصاً أنها غير مستخدمة في أغراض أو أعمال عسكرية حسب القوانين الدولية [8])

شهدت الساحة الدبلوماسية للمجتمع الدولي قصورا لافتا إزاء الحرب على غزة والتي بدأت منذ السابع من تشرين أول للعام 2023، ولا تزال الحرب دائرة حتى الآن، فبالرغم من المحاولات المستمرة للوساطة الدولية القطرية والمصرية، الا أن الجمود الدبلوماسي خيم على المشهد السياسي الدولي وسط تباين في المواقف الدولية والإقليمية، وقد كشفت هذه الحرب مدى هشاشة المنظمات الدولية ومدى زيف ادعاءات الشرعية الدولية، حيث كان موقف هذه المنظمات الدولية الصامت تجاه حرب الإبادة المستمرة على غزة، أقرب إلى التواطؤ منه إلى السلبية، وجاءت تحركات مجلس الأمن والجمعية العامة والأمين العام متأخرة وعير مجدية على أرض الواقع، وفيما يلي يبين أبرز هذه التحركات على الصعيد الدولي والأممي.

1- قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في 29/ ديسمبر 2023، تتهمها فيها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة، والتي استندت فيها على الأدلة بقتل إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين بأعداد كبيرة وتدمير منازلهم وطردهم وتشريدهم، إضافة إلى فرض حصار على الغذاء والماء والمساعدات الطبية وتدمير المرافق الصحية الأساسية والنية التحتية في غزة.

2- قرار محكمة العدل الدولية الذي صدر في 26/ يناير 2024 الذي ألزم إسرائيل باتخاذ تدابير تحفظية محددة لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة والقرارات التالية المكملة له الصادرة في 16/ فبراير2024، والقرار الصادر في 28/ مارس 2024.

3- قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2720 في 22/ ديسمبر 2023، والذي طالب المجلس فيه أطراف النزاع بالامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي وحماية المدنيين والأعيان المدنية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وحماية العاملين في المجال الإنساني وحرية حركتهم، كما رفض "التهجير القسري للسكان المدنيين، بمن فيهم الأطفال". وأكد مجددا التزامات جميع الأطراف "فيما يخص الامتناع عن مهاجمة، أو تدمير أو إزالة أو إتلاف الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة.

4- اصدار المحكمة الجنائية الدولية في 21/ نوفمبر 2024، مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو(رئيس الوزراء الإسرائيلي ) و يؤآف غالنت (ووزير الدفاع السابق ) بتهمة ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.

المواقف الدولية والأممية تباينت كثيراً خلال حرب الإبادة دون تحقيق أي نتيجة مرجوة على أرض الواقع، فقد أدانت ونددت بعض الدول والمنظمات الدولية هذه الحرب على المدنيين في قطاع غزة، وأصدرت بيانات عديدة إزاء شعورها بالقلق لما يحدث للسكان في القطاع من سياسات ممنهجة لقتلهم وتهجيرهم وما تشكله هذه الحرب من انتهاكات جسمية ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تقتضي مساءلة إسرائيل في المحاكم الدولية، دون وجود ضغط دبلوماسي جاد من هذه الدول على إسرائيل لوقف حرب الإبادة المستمرة أو القيام بإجراءات فعالة كما فعلت دولة جنوب أفريقيا.

إن تعنت إسرائيل للالتزام بأحكام محكمة العدل الدولية وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لهو ازدراء واضح وصريح لالتزاماتها القانونية الدولية ولمؤسسات الأمم المتحدة نفسها، وهذا ليس أول تجاهل إسرائيلي لهذه القوانين والمؤسسات الدولية بل هو أسلوب أساسي ومنهجي في سياساتها، حيث أنها تنتهك منذ أمد بعيد كافة الالتزامات الدولية بموجب أحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والمعاهدات الدولية، وهو ما توثقه تقارير لا حصر لها صادرة عن هيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والوطنية، دون أن تحاسب. 

( يجب على إسرائيل وقف انتهاكاتها المستمرة للقوانين الدولية " أن ما يمكنه أن يخفف حدة آثار هذه الحرب على السكان الوقف فوري للحرب على غزة ورفع الحصار والسماح بدخول المساعدات وعودة النازحين إلى أماكن سكنهم بحرية ودون قيود، وهي بالأساس حقوق أساسية مضمونة وفق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، كما يجب على الدول في الأمم المتحدة الوفاء بالتزاماتها الدولية وممارسة الضغط السياسي والديبلوماسي على إسرائيل لتنفيذ قرارات الهيئات الأممية والوفاء بالتزاماتها الدولية واحترام القانون الدولي في ممارساتها وسلوكياتها )

الخلاصة: 

تتطلب مواجهة سياسة النزوح القسري للسكان في قطاع غزة رداُ قانونياُ وسياسياُ متماسك من المجتمع الدولي، يستند إلى مبادئ العدالة الدولية وكرامة الإنسان فالهدف الواضح والجلي من استخدام إسرائيل لسياسة النزوح القسري هي تصفية الوجود الفلسطيني جغرافياً وديموغرافياً وفرض واقع جديد ينهي أي حل قائم على حل الدولتين، وتحويل القضية الفلسطينية إلى أزمة لاجئين تدار خارج إطار الحقوق التاريخية، تتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً لوقف الانتهاكات، ومحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وإن ترك هذه الانتهاكات تمر دون مسائلة قوية وجيدة ومنتجة، فأنها تقوض النظام الدولي برمته وتكرس منطق الإفلات من العقاب ما يمهد لجرائم مستقبلية أوسع نطاقاً.

كما أن النزوح القسري للسكان في قطاع غزة ليس مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل هو نتاج سياسة ممنهجة استخدم فيها النزوح كأداة من أدوات الحرب لتسهيل عملية التدمير والتجويع وفرض أوراق ضغط للمساومة عليها مستقبلاً، كما أنه أدى إلى تحويل قطاع غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة، واحداث حالة تغيير ديموغرافي واجتماعي كارثي، الأمر الذي يسهل تحقيق السياسات الإسرائيلية بهجرة الفلسطينيين من قطاع غزة طواعيةً.

تشير الحقائق الواردة في التقرير أن مبادئ القانون الإنساني الدولي بشأن التمييز، التناسب، والحذر، وقواعد المبادئ التوجيهية التي عنيت بالحماية من التشريد التعسفي، والحماية أثناء النزوح، والمساعدة الإنسانية للنازحين، والحماية أثناء العودة وإعادة التوطين، التي تسعى إلى ضمان قيام جميع أطراف النزاع بالتمييز بين المدنيين والمقاتلين، وتجنب الهجمات المتعمدة على المدنيين واتخاذ التدابير اللازمة لتقليل إلحاق الضرر بالمدنيين، تم انتهاكها بشكل واضح وجسيم من قبل المستوى السياسي الإسرائيلي وقوات الجيش الإسرائيلي. 

إن سياسة استخدام النزوح القسري للسكان كأداة حرب من قبل إسرائيل أدى إلى نزوح ما لا يقل عن 1.9مليون مواطن بما يعادل 90% من سكان قطاع غزة، على امتداد شهور بواسطة تنفيذ أوامر إخلاء والتي سرَت على نحو 80% من مناطق قطاع غزة، وقد استخدم بطرق ووسائل مختلفة من قبل قوات الجيش الإسرائيلي لدفع السكان إلى النزوح وذلك من خلال تكثيف القصف العشوائي والتجويع والحصار وإغلاق المعابر وتدمير المنازل والبنى التحتية ومنع وصول المساعدات اللازمة للسكان، ومنع العودة إلى هذه الأماكن، وتقليص المناطق التي يمكن للسكان الفلسطينيين الوصول إليها في غزة، كل هذه الطرق والوسائل تنتهك المبادئ والقواعد المنصوص 

عليها في القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واتفاقية جينيف الرابعة وتشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

لم تلتزم إسرائيل من استيفاء المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني، في أوامر الإخلاء التي أصدرتها، ولم تتخذ الإجراءات والتدابير اللازمة لعدم إلحاق الضرر بالمدنيين والمنشآت المدنية بل وجهت كل أعمالها ضدهم وهو ما يثبته اعداد القتلى والمصابين وحجم الدمار في قطاع غزة.

تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة بنحو كبير، وتردي الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وذلك نتيجة الحصار وسياسات إسرائيل الممنهجة بالقتل والتدمير وجعل قطاع غزة مكان غير قابل للحياة، وازدياد حاجة المجتمع الغزي إلى المساعدات الخارجية مما يجعلهم عرضة أكبر لخطر وجودي قائم، وذلك بسبب انعدام مقومات الحياة الأساسية للبقاء فلا مأوى ولا غذاء ولا ماء ولا دواء، وسط مخاوف جدية من أن يكون كل هذه الأعمال مجرد تمهيد لمخططات الهجرة الطوعية التي تنادي بها إسرائيل.

تغيير ديموغرافي كبير في قطاع غزة نتيجة أعداد القتلى، وتغيير جغرافي أيضاً من خلال اقتطاع إسرائيل لمناطق من قطاع غزة وضمها بحجة أنها مناطق عازلة. 

أثبتت هذه الحرب عدم قدرة مؤسسات المجتمع الدولي على تنفيذ واجباتها بحماية المدنيين، وعدم قدرتها على تطبيق القوانين الدولية التي تنادي وتتغنى بها، الأمر الذي أصبح يشكل هاجساً بمدى أهمية هذه المؤسسات ودورها في مثل هذه الحالات ومدى تأثيرها على أطراف النزاعات.

التوصيات: 

1- وقف فوري للحرب: يجب على المجتمع الدولي الضغط على اسرائيل لوقف القصف والعدوان على قطاع غزة، وضمان حماية المدنيين والسماح لهم بالعودة إلى أمكن سكنهم دون قيود أو شروط.

2- رفع الحصار عن قطاع غزة بشكل فوري وعاجل دون قيود أو شروط وفتح المعابر وتأمين دخول المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية والمستلزمات الطبية بشكل عاجل دون قيود، مع التركيز على توفير منازل أو خيام للنازحين لإيوائهم وللحد من أثر المجاعة الجماعية التي تلحق بهم، مع تأمين دخول عاجل للمعدات الثقيلة اللازمة لإزالة الركام، والشروع العاجل بتنفيذ خطة إعمار عاجلة للقطاع.

3- ضمان حماية النازحين من خلال ارسال بعثات دولية لضمان عدم احداث أي تغيير جغرافي أو ديموغرافي في قطاع غزة. 

4- تفعيل آليات التحقيق والمسائلة الدولية، وتوسيع نطاق عمل لجنة التحقيق المستقلة لتوثيق سياسة التهجير كجريمة منظمة، وتقديم ملفات قانونية مفصلة تتضمن أسماء المسؤولين الإسرائيليين ذوي العلاقة بالجرائم المرتكبة والمتورطين في سياسات التهجير، لمحاكمتهم، وفرض عقوبات هادفة وناجعة عليهم.

5- على المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية والمحلية توثيق الانتهاكات بشكل منهجي، وجمع الأدلة حول ظروف النزوح القسري بما يشمل أوامر الاخلاء واستخدام القصف المتكرر وحرمان السكان من المأوى والطعام والدواء، وتوثيق آثار النزوح على فئات المجتمع باعتبارها مؤشرات على الطابع المنهجي للجريمة وتنسيق الجهود لتقديم التقارير للمحافل الدولية.

6- على الاعلام والمنصات الدولية المؤثرة مواجهة الرواية الإسرائيلية المظللة بشأن حربها ضد المدنيين في قطاع غزة وعن سياسة استخدامها النزوح لتأمينهم وضمان حمايتهم وتجنيبهم الأعمال القتالية، وفضح سياستها باستخدامه كأداة من أدوات الحرب ضد السكان الفلسطينيين في قطاع غزة.

[1] مقابلة مع د. سامية الغصين، دكتوراه في القانون الجنائي الدولي، بتاريخ 10/4/2025م.

[2] المادة 49 من اتفاقية جينيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب مرجع سابق.

[3] مقابلة مع د. سامية الغصين، مرجع سابق.

[4] القاعدة رقم (129) والقاعدة (131) الفصل الثامن والثلاثون، الخاص بالنزوح والأشخاص النازحون، قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي، المجلد الأول، منشورات اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

[5] مقابلة مع د. سامية الغصين، مرجع سابق.

[6] مقابلة مع د. سامية الغصين، مرجع سابق.

[7] مقابلة مع د. سامية الغصين، مرجع سابق.

[8] مقابلة مع د. سامية الغصين، مرجع سابق.

 

  ثائر كمال الغصين

  محامي وناشط حقوقي ومجتمعي، مهتم في الدفاع عن حقوق الإنسان والعمل على رفع الوعي حول القضايا الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية.