من قلب المعاناة الإنسانية، حيث تتقاطع الأزمات السياسية والبيئية، يقف هنا قطاع غزة كمنطقة تعاني من وطأة التلوث البيئي الناجم عن الحرب والإبادة المستمرة. من بين جدران المخيمات المكتظة، والمياه الملوثة، والهواء المثقل بالغبار، وأراضٍ زراعية مدمرة، تتراكم تداعيات التلوث لتشكل تهديداً مباشراً على البيئة وعلى صحة السكان، الذي يخضع منذ أكتوبر 2023 لحرب غير مسبوقة من حيث الكثافة والامتداد، بدأت ملامح كارثة بيئية تتكشف بهدوءٍ مميت، مرافقة للمأساة الإنسانية المستمرة.
حيث أُجبر في غزة أكثر من 1.9 مليون فلسطيني على الفرار من منازلهم المدمرة وفقاً لتقرير الأمم المتحدة[1]، ليعيشوا داخل الخيام وسط أكوام من النفايات التي يعلم الجميع أنها ستؤثر سلباً على صحتهم، ولكن لا مفر، إما الموت أو العيش بين أطنان من النفايات للنجاة بأرواحهم.
بسبب تفاقم الأزمة داخل قطاع غزة واستمرار الحرب، فإن قطاع غزة يعاني من تحديات كبيرة بسبب توقف الخدمات الصحية، مما أدى إلى تراكم النفايات بشكل كبير بجوار المخيمات المكتظة، وبسبب الأسلحة التي يستخدمها الاحتلال، مما ساهم في تلوث الهواء والأتربة والمياه. وهذا ما ذكره برنامج الأمم المتحدة للبيئة في تاريخ 19 حزيران 2024: "إن التأثيرات البيئية للحرب في غزة غير مسبوقة مما يعرض المجتمع لمخاطر التلوث المتزايد بسرعة في التربة والمياة والهواء، فضلاُ عن مخاطر الاًضرار التي لا يمكن اصلاحها للنظم البيئية الطبيعية"[2].
وفقًا لتقارير أممية، تعرّض أكثر من 70% من شبكات المياه والصرف الصحي في غزة لأضرار مباشرة أو غير مباشرة بسبب القصف، فيما خرجت جميع محطات معالجة مياه الصرف عن الخدمة بشكل شبه كامل. كما تشير تقديرات "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية – أوتشا" إلى أن أكثر من 97% من مياه غزة غير صالحة للشرب أصلًا[3]، وقد تفاقم هذا الرقم خلال الحرب مع توقف آبار المياه وتحلية البحر. في ذات السياق، أدى انقطاع الكهرباء المستمر – الذي تجاوزت مدته 280 يومًا – إلى توقف محطات الضخ، وتحول مياه الصرف الصحي إلى سيول مكشوفة تتدفق إلى الشوارع والمزارع، أو تُصرف مباشرة إلى البحر دون معالجة، ما أدى إلى تلوث حاد للتربة والمياه الجوفية والشاطئية.
لا تتوقف الكارثة عند هذا الحد؛ فقد قُدّر حجم الدمار في القطاع الزراعي وحده بما يزيد عن 45 ألف دونم من الأراضي الزراعية المتضررة أو غير القابلة للوصول، بينها آلاف البيوت البلاستيكية والمزارع الحيوانية والسمكية. كما تشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة (FAO) إلى أن أكثر من 60% من العائلات لم تعد قادرة على الوصول إلى مصادر غذائية محلية[4]، ما فاقم أزمة الأمن الغذائي المتصاعدة. ومع استمرار القصف وتوسع العمليات العسكرية في المناطق الريفية، بات من الشائع رصد مخلفات ذخائر غير منفجرة في الحقول والمزارع، إلى جانب أكوام الركام الملوث، والتي تحتوي على مواد سامة مثل الأسبستوس والمعادن الثقيلة.
هذا التقرير يرصد أبرز ملامح الدمار البيئي في قطاع غزة خلال الحرب الجارية، ويعرض وقائع ميدانية وشهادات حية وإحصاءات موثقة، محاولًا تسليط الضوء على أحد الأبعاد المنسية للصراع. كما يضع هذا الأثر في سياقه القانوني، مستعرضًا التزامات أطراف النزاع، والدعوة إلى ضرورة إدماج البيئة في خطط الإعمار القادمة، حمايةً لما تبقى من الحياة على هذه الأرض المنكوبة.
أولاً: تلوث المياه بفعل الأسلحة والمتفجرات التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي.
لقد استخدم الاحتلال العديد من الأسلحة المتنوعة التي يصعب حصرها على قطاع غزة، والتي كانت تستهدف المنازل وتصل إلى المياه الجوفية التي يعتمد عليها كافة سكان قطاع غزة في حياتهم اليومية وحتى في زراعة النباتات. أصبحت المياه الجوفية ملوثة بالمواد السامة الناتجة عن الأسلحة المحرمة التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث يعتمد الاحتلال في سياسته على تدمير 700 بئر واخراجها عن الخدمة بشكل كامل، حتى أصبح الحصول على مياه امر في غاية الصعوبة.
إن الآثار التي تنتج عن تلوث المياه الجوفية كارثية ومرعبة، وتمتد لسنين، وتُعتبر من الآثار طويلة الأمد التي لا يمكن علاجها، بل نحصد آثارها الخطيرة على سكاننا في قطاع غزة، ووفقًا لتقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة،" فإن التلوث الناتج عن الحروب يحتاج لعقود لإزالته بالكامل، ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة وممنهجة"[1].
ثانياً: تدمير الاحتلال للبنية التحتية وشبكات الصرف الصحي.
بسبب تدمير الاحتلال للبنية التحتية داخل القطاع، فإنه لا يوجد تصريف لمياه الصرف الصحي، مما يؤدي إلى تلوث كبير للمياه الجوفية. وحسب تقارير الأمم المتحدة داخل القطاع، فإن خمس محطات متخصصة في معالجة المياه معطلة منذ بداية الأزمة[2]، ساهم هذا الأمر في تلوث المياه بشكل كبير.
وحسب ما جاء في تقرير الجزيرة بتاريخ 9/10/2024 ان اسرائيل دمرت البنية التحتية في كامل القطاع بما يشمل 330 ألف كيلو متر من شبكات المياه و655 ألف متر من شبكات الصرف الصحي وما يقارب 3ملايين متر من الطرق والشوارع، وفق خطة تدميرية مدروسة[3].
وبسبب النزوح ولجوء الناس إلى الخيام، قام السكان بإنشاء دورات مياه وقاموا بحفر آبار للصرف الصحي في ظل توقف الخدمات داخل قطاع غزة، وعدم وجود شبكات صرف صحي، مما أدى إلى اختلاط المياه الجوفية بمياه الصرف الصحي وتلوثها، فأصبحت المياه الجوفية غير صالحة للاستخدام.
هذا ما قاله أحد المواطنين في مقابلتنا له بتاريخ 28/7/2025 " كنا نأخذ من البئر الموجود داخل هذه الأرض مياه حلوة وقمنا بحفر بئر لصرف الصحي للحمام ولكن تفاجأنا بأن المياه التي كنا نستخدمها ونظيفة اصبحت صفراء ورائحتها كريهة "وهذا ما يوضح ان مياه الصرف الصحي اختلطت مع مياه الابار مما جعلت منها مياه غير صالحة للاستخدام[4].
لم يقتصر التلوث على المياه الجوفية، بل أيضًا شمل المياه السطحية، فمياه البحر أصبحت ملوثة بمياه الصرف الصحي لعدم وجود شبكات وخدمات لمعالجة المياه، وملوثة بالنفايات الصلبة.
بتاريخ 8 أغسطس/2024 ذكرت بي بي سي تحول لون مياه جزء من الساحل على بحر الابيض المتوسط الى بني، في حين يحذر خبراء الصحة من تسرب وانتشار مياه الصرف الصحي والامراض في جميع انحاء القطاع[5].
حيث تظهر صور الاقمار الصناعية التي أكد ويم زفينينبور، خبير البيئي من منظمة باكس فوربيس، لبي بي سي بعد فحص الصور، ان مياه الصرف الصحي تتسرب الى البحر من المخيمات القريبة المكتظة باللاجئين[6]. وبسبب توقف الخدمات، فإنه لا يوجد أي محطات لتنقية المياه، مما يزيد من انتشار الأمراض بين السكان.
وعلى الرغم من ان البروتكول الاضافي الثاني عام 1977(المتعلق بالنزاعات غير الدولية) المادة (14): تحظر مهاجمة أو تدمير الموارد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، بما في ذلك مياه الشرب. إلا ان الاحتلال ما زال يدمر يلحق أضرار كبيرة في المياه لا يمكن حلها على المدى القريب[7]. هذا ما ذكرته المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة (إنغر أندرسن): "لقد انهارت أنظمة المياه والصرف الصحي. ولا تزال البنية الأساسية الحيوية تتعرض للتدمير. وتأثرت المناطق الساحلية والتربة والنظم البيئية بشدة. كل هذا يضر بشدة صحة الناس والأمن الغذائي وصمود غزة[8].
ثانيًا: توقف الخدمات الصحية التي تعمل على إزالة النفايات:
توقف الخدمات الصحية امر في غاية الخطورة فذلك زاد من تراكم النفايات الصلبة حول مراكز الايواء، وهذا ما ذكره السكان في تقرير الامم المتحدة بتاريخ 8حزيران 2025 ان " لا يوجد اسوء من ان تعيش بين اطنان من النفايات والتي تسبب مشاكل صحية وبيئية كبيرة[1].
وايضاً ذكر في التقرير ان أليسكاندرو ماراكشي مدير مكتب برنامج الامم المتحدة الإنمائي في غزة وهو يقف امام أحد المكبات الذي يعرف بسوق فراس حيث قال "يوجد خلفي جبل ضخم من النفايات المتراكمة من بداية الحرب. في البداية كانت مساحة صغيرة جداً لجمع النفايات، لكن ارتفاعها الان يتجاوز 7 أمتار، لدينا حالياً حوالي 200,000 متر مكعب من النفايات هنا. هذا غير مقبول لا للمدينة ولا العائلات والأطفال والمتاجر. لقد أصبح اولوية صحية، خاصة مع اقتراب فصل الصيف".
وعلى الرغم من ان التقارير كانت موضحة لحجم المعاناة التي يعاني منها اهل غزة الا انها لم تجدي نفعاً، نحن الان في فصل الصيف وما زالت المشكلة في تفاقم دائم، بل بالعكس لقد زاد الأمر سوء[2].
وعلى الرغم من محاولة السكان معالجة الأمر من خلال جمع النفايات وحرقها، إلا أن ذلك لم يجدِ نفعًا، فالحرق أيضًا يُعد ملوثًا للهواء، فأصبح الهواء محمّلًا بالدخان والغازات السامة. أصبحت النفايات تُشكل خطرًا داهمًا يهدد الصحة العامة ويزيد من معاناة الناس في ظل ندرة الموارد وغياب الحلول.
ثالثاً: عدم توافر غاز الطهي:
لجأ العديد من السكان، وليس العديد فحسب بل جميع سكان غزة، إلى استخدام بدائل عن غاز الطهي، مثل حرق الأخشاب والقماش والإسفنج، للمساعدة في إشعال النار والطهي عليها، في ظل انقطاع غاز الطهي، هذا أيضًا يُقلل من جودة الهواء، نظرًا لما ينتج عن هذه المحروقات من غازات ضارة.
رابعاً: دفن الوفيات في اماكن مكتظة بالسكان او بجوانب الطرق
سبب الحصار المستمرة للمستشفيات والأحياء داخل قطاع غزة إلى مقتل العديد من السكان مما تسبب في عجز السكان عن دفنا موتاهم داخل المقابر، اما قاموا بتغطيتهم بشيء من الاخشاب او دفنهم بالقرب من الارض. مما له من اثار سلبية اثناء تحلل الجثث وعلى الهواء والاتربة أيضاً. لم يقتصر الحال على سكان القطاع فحسب بل شمل الحيوانات ايضاُ التي قتلت وبقية ملقاه في الشوارع قرب من المخيمات مما يؤثر على صحة السكان.
تدمير الاراضي الزراعية أحد اهم الاسباب التي تؤدي الى المجاعة التي تضرب القطاع حيث تم تدمير أكثر من 81%من الاراضي الزراعية وذلك بناء على تقيم التي اجرته منظمة "يونستات" استناداً لصور الجوية[1]، فالأراضي الزراعية كانت مصدرًا أساسيًا للغذاء، سواء من الخضروات والفواكه للإنسان أو الأعشاب للحيوانات.
هذا ما اكد عليه المواطن ناجي عبد العزيز وهدان من سكان شمال غزه بيت حانون في مقابلتي له بتاريخ 29/7/2025 "عندي اكتر من ارض زراعيه والزراعة هي مصدر عملي الوحيد انا وجميع اولادي السته بشتغلوا بالأرض وبنبيع المحصول الي بطلع منها وكانت امور حياتنا شبه مستقرة، لكن بعد حرب السابع من اكتوبر 2023 تغيرت احوالنا واصبحنا بدون عمل تجرفت الأراضي واصبحت بدها شغل كتير حتى نقدر نزرعها والشجر الي عملنا وكبر الو سنين تجرف وآبار المياه تجرفن وبرابيش الميه وغيره من مقومات الزراعة يعني وصلنا لمرحله قبل الصفر بخصوص الاراضي ، وبناءً على كل ما ذكر الان نحنُ بدون شغل ولا حاجه وقاعدين"[2].
وقد أكّد تقرير الأمم المتحدة في 15 آذار/مارس 2024 أن غياب البروتين الطبيعي والخضروات الطازجة أدى إلى إعاقات ومشاكل صحية خطيرة، وكل هذا يُنذر بـكارثة إنسانية ومجاعة، وهو ما تعاني منه غزة الآن[3].
هذا التدمير ليس فقط انتهاكًا لحقوق السكان في العيش الكريم، بل هو أيضًا مخالف للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر تدمير البيئة والأراضي الزراعية في النزاعات المسلحة، حيث يطالب القانون الدولي بضرورة حماية الأراضي الزراعية والبيئة من الأضرار الناتجة عن الأعمال العسكرية.
هذا ما يؤكد عليه البرتوكول الإضافي الأول عام 1977(المتعلق بالنزاعات المسلحة دولياً) المادة55: تحظر استخدام وسائل الحرب التي تلحق أضراراً بالغة بالبيئة الطبيعية، وهذا ما ينطبق على الأراضي الزراعية التي اصبحت أراضاً قاحلة لا يستطيع حتى اصحابها الوصول لها[4].
لم تقتصر الأضرار البيئية الناتجة عن الحرب على البنية التحتية والتلوث الهوائي والمائي فحسب، بل طالت أيضًا التنوع الحيوي الغني في قطاع غزة. فقد أسهم القصف العنيف وتدمير المساحات الخضراء والمناطق الزراعية في إبادة موائل طبيعية كانت تؤوي أنواعًا نادرة من النباتات والحيوانات. كما أدت حركة الآليات العسكرية والتوسع العمراني العشوائي في مناطق النزوح إلى تدمير المواطن البيئية للكائنات البرية والطيور المهاجرة، مما يهدد بانقراض بعض الأنواع المحلية هذا ما أكد عليه تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنوع البيولوجي (IPBES) والذي أفاد التقرير أن تلوث المياه والتربة والهواء يؤدي إلى انخفاض أعداد الحشرات الملقحة مثل النحل والفراشات، واضطرابات في دورات الحياة الحيوانية، ونفوق الكائنات المائية بسبب تراكم النترات والمعادن الثقيلة[1].
أما البيئة البحرية، فقد تعرضت لأضرار جسيمة نتيجة تسرب المياه العادمة والنفايات الصلبة والسائلة إلى البحر، بسبب انهيار البنية التحتية للصرف الصحي. وتسبب ذلك في تلوث الشريط الساحلي وتدهور صحة الشعاب المرجانية والكائنات البحرية، ما يؤثر سلبًا على الثروة السمكية والأمن الغذائي لسكان القطاع.
تقارير البنك الدولي وفاو حول البحار والمناطق الساحلية: ذكر تقرير للبنك الدولي (2021) أن تلوث البحار الساحلية بالنفايات والمياه العادمة يضر بشكل مباشر بالشعاب المرجانية والثروة السمكية الشعاب المرجانية، التي تُعدّ موئلاً لمئات الأنواع، تتعرض لتدهور شديد نتيجة تلوث البحر الأبيض المتوسط" [2].
هذا ما تخلفه الحرب، نتيجة استخدام الاحتلال للأسلحة المحرمة والمدمرة، مما أدى إلى تلوث البيئة بشكل كارثي، وأثر تأثيرًا عميقًا وخطيرًا على صحة الإنسان، ويتمثل ذلك فيما يلي: -
أولًا: أمراض الجهاز التنفسي وحالات الاختناق:
أثر تلوث الهواء على صحة السكان أدى تلوث الهواء إلى انتشار العديد من الأمراض الناتجة عن استنشاق السكان للهواء المحمَّل بالغازات السامة، مما تسبب في زيادة حالات الاختناق وأمراض الجهاز التنفسي كما أُسجِلت زيادة في حالات الإجهاض وولادة أطفال مشوهين خِلقياً نتيجة تعرُّض الأمهات الحوامل للغازات السامة أثناء الحمل، الهواء الذي كان مصدر حياة، أصبح اليوم يحمل في طياته رائحة الموت والمرض.
ثانيًا: انتشار الامراض الجلدية وظهور حشرات غريبة:
توقف الخدمات الصحية أدى إلى تراكم النفايات خلف جدران المخيمات، مما خلق بيئة خصبة لانتشار الحشرات الغريبة والبعوض، التي تعاني منها المخيمات بشكل يومي، وقد تسبب ذلك في انتشار أمراض جلدية معدية وفطريات بين الأطفال والبالغين، وسط غياب شبه كامل للرعاية الطبية والمستلزمات الصحية.
ثالثًا: انتشار أمراض خطيرة تسبب الموت:
نتيجة عدم وجود محطات متخصصة في تنقية مياه الشرب، أُصيب السكان بأمراض خطيرة ومميتة، مثل التهاب الكبد الوبائي وانتشار الالتهابات المعوية مثل الاسهال والقيء خاصة بين الأطفال.
كما أن تلوث مياه الاستحمام والمياه المستخدمة في غسل الملابس بمياه الصرف الصحي أدى إلى انتشار أمراض جلدية معدية، مثل الجرب، في ظل بيئة غير صحية تفتقر لأبسط مقومات النظافة.
رابعاً: انتشار المجاعة وسوء التغذية:
الاحتلال الاسرائيل استخدم سياسة التجويع لسكان القطاع مما ادى الى تدهور صحة السكان فقد اشارالبيان الصحفي لمنظمة الصحة العالمية بتاريخ 12مايو2025 "يواجه سكان غزة البالغ عددهم 2.1مليون نسمة نفصاً غذائياً مطولاً حيث يعاني نصف مليون شخص من حالة كارثية من الجوع وسوء التغذية الحاد والمجاعة والمرض والموت"[1].
هذا ما أكد عليه ايضاُ المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس ادهانوم غبير يسوس:" لسنا بحاجة لانتظار إعلان المجاعة في غزة لنعرف ان الناس يتضورون جوعاً ويمرضون بينما الغذاء والدواء على بعد دقائق عبر الحدو[2]. وفي مارس2025 افادت وزارة الصحة ان 57 طفل توفوا من سوء التغذية ويعاني ما يقارب 71.000 طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية[3].
التعدي على البيئة زمن النزاعات المسلحة مجرم وفقا للقانون الدولي حيث أكد الاستاذ ماهر مسعود استاذ القانون الدولي في جامعة الأزهر حيث قال: "النصوص بخصوص ذلك وردت في أهم مرجعين للقانون الدولي الإنساني، هما: الملحق ١ باتفاقيات جنيف الأربعة، تحديدا المواد ٣٥ الفقرة ٣ والمادة ٥٥ فقرة ١، وكذلك في ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية (المادة ٨-٢-ب-٤).
جدير بالذكر أن هذه المواد تضع معايير لتجريم الفعل المنتهك للبيئة وهو أن يكون العدوان واسع النطاق (widespread) وشديد (severe) وطويل الأثر (long term) وأن يكون الضرر الحاصل كبير مقارنةً بالميزة العسكرية المباشرة المتوقعة، والمعايير لازم تتحقق مجتمعة مع بعضها البعض.
لكن حتى مع وجود هذه النصوص، تبقى الحماية البيئية ناقصة من وجهة نظري، لأن الشروط أو المعايير المذكورة تجعل من الصعب إثبات هذه الجرائم، ومن ناحية ثانية فإن الفقه والقانون والقضاء الدولي لم يوسعه اختصاصه بعد ليشمل جريمة أشد خطورة مثل جريمة إبادة البيئة أو الايكوسايد (ecocide) لأن الواقع العملي عرف أموراً كذلك. وأكبر مثال ما جرى ويجري في قطاع غزة من تدمير ممنهج وواسع النطاق وشديد الأثر وطويل المدى لكل عناصر البيئة نتيجة القصف والدمار الذي أدى لتلويث التربة، والهواء، والماء، وبشكلٍ يصعب التعامل معه وإنقاذه"[1].
المعاهدات والاتفاقيات التي تنص على حماية البيئة في حالة النزاعات والحروب:
أولاً: اتفاقيات جنيف الرابعة (1949)
المادة (53) تحظر تدمير ممتلكات المدنيين، إلا إذا كانت هناك ضرورة عسكرية. يشمل ذلك المنشآت البيئية كالمياه والصرف الصحي.
ثانياُ: البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (1977)
المادة 35 (الفقرة 3) تحظر استخدام وسائل وأساليب قتال تسبب ضررًا واسع النطاق وطويل الأمد وشديدًا للبيئة.
المادة 55 تُلزم أطراف النزاع بحماية البيئة الطبيعية وعدم استخدامها كسلاح أو مهاجمتها.
ثالثاًُ: البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف (1977)
المادة 14 تمنع تدمير الموارد الأساسية مثل المياه والمحاصيل الضرورية لبقاء السكان المدنيين، ما يشمل البيئة ضمنًا.
رابعاً: اتفاقية حظر استخدام تقنيات التعديل البيئي لأغراض عسكرية (1976) (ENMOD)
تحظر استخدام تغييرات متعمدة في البيئة (مثل الزلازل أو الأعاصير أو التلاعب بالمناخ) كسلاح في الحرب[2].
التحديات القانونية:
رغم وضوح النصوص، تواجه حماية البيئة في النزاعات المسلحة عددًا من التحديات، منها:
الحرب لم تترك شيء الا وقامت بتدميره بل جعلت هناك حرب صامته بين البيئة والانسان فحولت المياه النقية الى مياه تشكل خطراً، ومن الهواء الى دخان سام ومن الاراضي الزراعية الى ارض قاحلة، ولكن هناك امل في الاصلاح والاعمار والتعاون والعمل من اجل اعادة التوازن البيئي الطبيعي.
لا شك أن أول ما يمكن التوصية به يجب أن يكون بعد انتهاء الحرب التي ما زالت مستمرة حتى الآن، إذ لا يمكن تنفيذ أي خطط إنقاذ أو إصلاح بيئي وإنساني في ظل القصف والدمار المستمر ومن أبرز التوصيات والحلول المقترحة ما يلي:
في الختام...
لم تعد البيئة مجرد ضحية، بل أصبحت أحد أوجه الحرب التي تستهدف الحياة بكل أشكالها، فأصبح هناك صراع بين السكان والبيئة. فالتلوث والدمار لا يقتصران على المباني والبنى التحتية، بل يمتدان إلى جسد الإنسان وروحه وأمله في البقاء.
إن معالجة هذه الآثار لا تتطلب فقط جهودًا محلية، بل تستدعي تحركًا دوليًا منسقًا لإعادة الإعمار وفق أسس مستدامة، وضمان احترام مبادئ القانون الدولي الإنساني الذي يحمي البيئة أثناء النزاعات المسلحة. حماية البيئة ليست ترفًا، بل هي شرط أساسي لبقاء الإنسان وكرامته، ولتحقيق الاستقرار والسلام في المستقبل.
خريجة قانون من جامعة فلسطين ومحامية مزاولة شرعي ونظامي، لم أقتصر على ممارسة المحاماة، بل تجاوزتها لدعم النساء نفسيًا وقانونيًا خلال الحرب، من خلال ورش عمل مختلفة